وأمَّا الإجماع: فإن الأمة أجمعت على تحريمه، ولم يحله الله في شرع نبي من الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وسلامه، وكان أهل الجاهلية يتشرفون عنه.
إذا ثبت هذا: فإن الحد يجب في الزِّنَى. وكان الحد في الزِّنَى في أول الإسلام: الحبس والإيذاء بالكلام. والدليل عليه: قَوْله تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}[النساء: ١٥] الآية [النساء: ١٥] . قال أكثر أصحابنا: المراد بالحبس: للثيب، والمراد بالأذى بالكلام: للأبكار من الرجال والنساء؛ بدليل قَوْله تَعَالَى:{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}[النساء: ١٥] فأضافهن إلينا، وأراد بذلك: من أحصن بكم؛ إذ لا فائدة في إضافة ذلك إلى الزوجات إلا اعتبار الثيوبة. ولأن الله تَعالَى جعل حد الثيب في الانتهاء أغلظ من حد البكر، فدلَّ على: أن حد الثيب في الابتداء كان أغلظ أيضا.
وقال أبُو الطيب ابن سلمة: لم تتناول الآية الثيب قط، وإنما المراد بالحبس: للأبكار من النساء، وبالأذى بالكلام: للأبكار من الرجال.
وقد نسخ الحد بالحبس والأذى، فجعل حد البكر الجلد؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢][النور: ٢] ، وجعل حد الثيب الرجم. وهو إجماع الأمة إلا قوما من الخوارج؛ فإنهم قالوا: لا يرجم الثيب وإنما يجلد.
والدليل على أن الثيب يرجم إذا زنَى: ما رُوِي «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خطب وقال: (إن الله بعث محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيا، وأنزل عليه كتابا، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فتلوناها ووعيناها:" الشيخ والشيخة إذا زنيا.. فارجموهما البتة " وقد رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده، وإني أخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا رجم في كتاب الله، فيضل قوم بترك فريضة أنزلها الله، الرجم حق على كل من زنى من رجل أو امرأة إذا أحصنا، ولولا أنِّي أخشى أن يقول الناس: زاد عمر في المصحف