وقال أبُو حَنِيفَة:(يصير قصاصاً، فلا يجب على واحد منهما حد)
دليلنا: أن القصاص لا يجب في القذف، فلم تقع به المقاصة.
فإن قال رجل لامرأته: يا زانية فأجابته فقالت: زنيت بك، أو: بك زنيت.. فإنه يكون قاذفاً لها بظاهر القول، فيجب عليه الحد. فإن أقام البينة أو لاعنها، وإلا.. حد لها.
وأمَّا جوابها له بقولها: بك زنيت أو زنيت بك.. فلا يكون قذفاً له بظاهره من غير نية، لأنه يحتمل القذف له، ويحتمل الإقرار على نفسها بالزِّنَى دونه، ويحتمل الجحود والإنكار عن الزِّنَى. فاحتمال القذف له أنها أرادت أنك زنيت بي قبل النكاح، فيكون ذلك قذفاً له واعترافا على نفسها بالزِّنَى. واحتمال الاعتراف على نفسها بالزِّنَى دونه: أنها أرادت أنك وطئتني قبل النكاح وأنت مجنون، أو استدخلت ذكرك وأنت نائم قبل النكاح، أو وطئتني قبل النكاح وأنت تظن أنِّي زوجتك وقد علمت أنك أجنبي. واحتمال جحودها عن الزِّنَى من وجهين:
أحدهما: أنها أرادت لم يصبني غيرك بالنكاح، فإن كان ذلك زنَى.. فبك زنيت.
والثاني: أنها أرادت إن كنت زنيت.. فمعك زنيت، أي: فكما لم تزن أنت.. لم أزن أنا، كما لو قال رجل لغيره: سرقت، فيقول: معك سرقت، أي أنِّي لم أسرق كما لم تسرق.
فإذا احتمل قولها هذه الاحتمالات.. لم يجعل قذفاً له من غير نية منها لقذفه، فيرجع إليها:
فإن قالت: إنِّي أردت به الاحتمال الأول وأنه زنَى بي قبل النكاح.. فقد قذفته بالزِّنَى واعترفت على نفسها بالزِّنَى، فيجب عليها حد الزِّنَى وحد القذف للزوج، ويسقط عن زوجها حد قذفها.
وإن قالت: أردت الاحتمال الثاني.. فقد اعترفت على نفسها بالزِّنَى، فلا يجب على الزوج حد القذف لها، ولا تكون قاذفة له.