دليلنا: ما روى معاذ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«جنبوا مساجدكم: صبيانكم، ومجانينكم، ورفع أصواتكم، وخصوماتكم، وحدودكم، وسل سيوفكم، وبيعكم، وشراءكم» . وروي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد، فقال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لا وجدتها، إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة» . فدل على أنه ما عدا هذين ينهى عنه في المساجد. ولأنه قد يكون في الخصوم من لا يمكنه اللبث في المسجد، كالجنب والحائض. ولأن الخصوم يجري بينهم التكاذب والتشاتم، فينزه المسجد عن ذلك.
فإن دخل الحاكم المسجد للصلاة أو الاعتكاف، أو كان ينتظر الصلاة، فحضر خصوم.. لم يكره له أن يحكم بينهم؛ لما روي:(أن عمر حكم بين الناس في المسجد) . وروى الحسن قال:(دخلت مسجد المدينة، فرأيت عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد كوم كومة من حصى، فوضع عليها رداءه ونام، فجاء سقاء ومعه قربه ومعه خصم له، فتحاكما إليه، فجلس وقضى بينهما) . وروي:(أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في المسجد) .
وإن جلس الحاكم في بيته لغير الحكم وحضره خصمان.. لم يكره أن يحكم بينهما؛ لما روي عن أم سلمة: أنها قالت: «اختصم رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة فقضى بينهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيتي» . وروي: (أنه كان بين عمر بن الخطاب وأبي بن كعب خصومة في مواريث، فأتيا زيد بن ثابت في منزله ليحكم