فعلى هذا: إذا بعث الحاكم أصحاب المسائل للبحث عن حال الشاهد، فرجع واحد منهم وأخبر الحاكم بجرح الشاهد.. فإن الحاكم لا يتوقف عن الحكم بشهادة الشاهد، ويقول للمشهود له: زدني في شهودك. ولا يستحضر الحاكم الذي جرحه من الجيران ويسأله عنه؛ لأن الغرض معرفته بحال الشاهد دون فضيحته. هكذا حكي عن أبي إسحاق.
وقال الشيخ أبو حامد: والذي يجيء على قياس قوله: أنه لا يتوقف عن الحكم بشهادة الشاهد حتى يخبره بالجرح اثنان. وإن رجع واحد أو اثنان من أصحاب المسائل بعدالة الشاهد.. فإن الحاكم لا يحكم بعدالته بقولهما، ولكن يسألهما عن الذي عدله من الجيران، ويستدعي اثنين منهم ليشهدا على تعديله بلفظ الشهادة.
وقال أبو سعيد الإصطخري: بل أراد الشافعي: أن الجرح والتعديل يثبت بقول اثنين من أصحاب المسائل، وهو ظاهر النص؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال:(ولا يقبل إلا من اثنين ويخفي من كل واحد منهما ما دفع إلى الآخر) . وهذا إنما يكون في أصحاب المسائل دون الجيران؛ لأن المزكي من الجيران لا يلزمه الحضور إلى الحاكم للتزكية، ولا يجوز للحاكم إجباره على ذلك، فجاز الحكم بقول أصحاب المسائل في ذلك.
فعلى هذا: إذا بعث الحاكم اثنين من أصحاب المسائل للسؤال عن الشاهد على ما مضى.. نظرت: فإن رجعا فأخبرا الحاكم بعدالته.. حكم بعدالته. وإن أخبراه بجرحه.. توقف عن الحكم بشهادته، ولا يظهر جرحه؛ لأنه ليس الغرض فضيحته، وإنما الغرض معرفة حاله، ولكن يقول للمشهود له: زدني في شهودك. وإن جاء أحدهما فأخبر بجرحه، وأخبر الآخر بتعديله.. لم يحكم بجرحه ولا بتعديله؛ لأن الجرح والتعديل لا يثبتان بقول واحد.
قال الشيخ أبو إسحاق: ويبعث ثالثا، فإن عاد بالجرح.. كملت بينة الجرح، وإن عاد بالتعديل.. كملت بينة التعديل.