وروي: أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري: (آس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك) . وروي:(أنه كان بين عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبين أبي بن كعب حكومة، فترافعا إلى زيد بن ثابت ليحكم بينهما، فقال زيد: لو أمرنا أمير المؤمنين لأتيناه، فقال عمر: (في بيته يؤتى الحكم، فأومأ زيد إلى مخدة، فقال عمر: هذا جور! سو بيننا في المجلس، فلما توجهت اليمين على عمر.. جعل زيد يشفع إلى أبي بن كعب ويقول: لو عفوت عن أمير المؤمنين عن اليمين، فقال عمر: ما تدري ما القضاء حتى تسوي بين الخصمين) . ولا مخالف له، ولأنه إذا قدم أحدهما عن الآخر بشيء من ذلك.. انكسر قلب الآخر، وربما عجز بذلك عن إيراد حجته.
فإن كان الخصمان مسلمين أو كافرين.. أجلسهما بين يديه؛ لما روى ابن الزبير:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن يقعد الخصمان بين يدي القاضي» . ولأنه أمكن للقاضي في الإقبال عليهما.
وإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق والمسعودي [في " الإبانة "] :
أحدهما: يسوي بينهما في المجلس كما يسوي بينهما في دخولهما عليه وإقباله عليهما.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد والصباغ غيره -: أنه يرفع المسلم عليه في المجلس؛ لما روي: أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى درعه مع يهودي، فقال: هذه درعي، سقطت مني يوم الجمل، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فترافعا إلى شريح ليحكم بينهما، فلما رآه شريح.. قام من مجلسه وأجلسه فيه،