ولأنه إذا ضيف أحدهما.. انكسر قلب الآخر، وربما لا يمكنه استيفاء حجته.
ولا يسار أحدهما دون الآخر؛ لأن ذلك يكسر قلب الآخر.
ولا يجوز له أن يلقن أحدهما حجته؛ لأن عليه أن يسوي بينهما، وإذا لقن أحدهما الإقرار.. أضر به، وإن لقنه الإنكار.. أضر بخصمه الآخر.
وكذلك لا يجوز له أن يلقن الشاهد الامتناع من الشهادة إذا أراد أن يشهد؛ لأن فيه إضرارا بالمشهود له، ولا يلقنه الشهادة إذا رآه ممتنعا منها؛ لأن فيه إضرار بالمشهود عليه.
ويجوز للقاضي أن يدفع ما وجب على أحد الخصمين من مال نفسه؛ لأن في ذلك نفعا لهما، ويجوز له أن يشفع لأحدهما إلى الآخر بالإنظار أو بالإسقاط؛ لما روي: «أن بريرة لما أرادت أن تفسخ النكاح.. قال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لو راجعتيه؛ فإنه أبو ولدك " فقالت: أبأمرك يا رسول الله؟ قال: لا، إنما أنا شفيع» . فدل على: أنه يجوز للحاكم أن يشفع، وأن للمشفوع إليه أن يجيبه وله أن يرده، فلا ضرر عليه في ذلك.
ولا يجب على القاضي أن يسوي بين الخصمين في محبة القلب، بل لو أحب أحدهما ولم يظهر منه ذلك بقول ولا فعل.. لم يأثم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء: ١٢٩][النساء: ١٢٩] .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (أي: لا تتبعوا أفعالكم أهواءكم) .
وإذا ثبت هذا في النساء؛ لأنه لا يمكنه ذلك.. ثبت بين الخصمين مثله.