المدعى عليه.. حكم للمدعي بها. وبه قال شريح، والشعبي، ومالك، وأبو حنيفة، وأكثر أهل العلم. وقال ابن أبي ليلى، وداود:(لا يجوز سماعها ولا الحكم بها بعد ذلك) .
دليلنا: ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة) . ولأنها حالة لو اعترف المدعى عليه بالحق الذي حلف عليه.. لحكم به عليه، فإذا قامت البينة.. حكم عليه بها كما قبل اليمين.
وإن قال المدعي: لي بينة حاضرة وأتمكن من إقامتها، ولكني لا أقيمها، بل يحلف لي المدعى عليه.. أحلف له؛ لأنه ربما يرجو منه أن يخاف من اليمين فيقر، وإثبات الحق من جهة الإقرار أسهل من إثباته بالبينة. ولأنه قد يكون له غرض في أن يحلفه ثم يقيم عليه البينة ليفضحه، فإذا حلف المدعى عليه، ثم أقام عليه البينة.. سمعت؛ لما مضى.
فإن قال المدعي: ليس لي بينة حاضرة ولا غائبة، أو قال: كل بينة تشهد لي فهي كاذبة، وطلب يمين المدعى عليه فحلف له، ثم أقام المدعي بينة بالحق الذي حلف عليه المدعى عليه.. فهل تسمع بينته ويحكم له بها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - وبه قال محمد بن الحسن -: أنه لا يحكم له بها؛ لأنه قد كذبها.
والثاني: إن كان المدعي هو الذي تولى الإشهاد بنفسه.. لم تسمع بينته بعد ذلك؛ لأنه قد كذبها. وإن كان وكيله هو الذي تولى الإشهاد، أو كان الشاهدان تحملا الشهادة له ولم يشهدهما ولا علم له بهما.. سمعت بينته وحكم له بها؛ لأنه لم يكن عالما بها.
والثالث: أنها تسمع ويحكم له بها بكل حال، وبه قال أبو يوسف، وهو الأصح؛