فإن كان معه بينة بما ادعاه.. نظرت في المدعى عليه: فإن كان غائبا عن البلد.. وجب على الحاكم أن يسمع الدعوى عليه والبينة. وكذلك: لو كان المدعى عليه حاضرا في البلد مستترا لا يصل المدعي إليه.. فإنه يجب على الحاكم أن يسمع الدعوى والبينة عليه. وكذلك: لو حضر مجلس الحكم فلما ادعى عليه أنكر، فلما أراد المدعي إقامة البينة عليه قام المدعى عليه وهرب.. فإن الحاكم يسمع البينة عليه.
وأما إذا كان المدعى عليه حاضرا في البلد غائبا عن مجلس الحكم غير ممتنع عن الحضور.. فهل يجوز سماع الدعوى عليه والبينة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، وهو المذهب؛ لأنه يمكن إحضاره في مجلس الحكم، فلم يجز سماع الدعوى عليه والبينة.
والثاني: يجوز؛ لأنه غائب عن مجلس الحكم، فهو كما لو كان غائبا عن البلد.
فإذا قلنا بهذا: وكان المدعى عليه حاضرا في مجلس الحكم.. فهل يجوز للحاكم أن يسمع البينة عليه ويقضي عليه قبل سؤاله؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنه حاضر يمكن سؤاله.
والثاني -حكاه أبو علي السنجي -: أنه يجوز أن يسمع البينة عليه ويقضي عليه قبل سؤاله؛ لأنه لا يخلو من: أن يقر بعد سماع البينة عليه والقضاء أو ينكر، فإن أقر.. فهذا قضاء على المنكر، فلم يكن في سؤاله فائدة، فإن أنكر.. فقد زاد البينة قوة. والأول هو المشهور. فإذا قلنا: لا تسمع الدعوى إلا على الغائب عن البلد.. فإن أصحابنا العراقيين لم يشترطوا حدا في الغيبة، وإنما اشترطوا خروجه عن البلد لا غير.
وأما الخراسانيون: فاختلفوا في حد الغيبة في ذلك:
فمنهم من قال: أقلها مسافة القصر.
ومنهم من قال: إذا كانت المسافة من موضع المدعى عليه إلى موضع القاضي بحيث لا يمكن قطعها والرجوع إليها بالليل.. فهذا يجوز سماع الدعوى عليه والبينة، وإن كانت دون ذلك.. فهو بمنزلة الحاضر.