والثاني: لا تسقطان، بل تستعملان؛ لأنهما حجتان تعارضتا، فإذا أمكن استعمالهما.. لم يسقطا، كالخبرين إذا تعارضا في الحادثة وأمكن استعمالهما.
فإذا قلنا: تستعملان.. ففي كيفية استعمالهما ثلاثة أقوال:
أحدها: يوقف الأمر إلى أن يصطلحا. قال الربيع: وهو الأصح؛ لأن إحداهما صادقة في الباطن والأخرى كاذبة، ويرجى انكشاف الصادقة منهما، فوجب التوقف إلى أن نتبين الصادقة، كما لو زوج المرأة وليان لها من رجلين وسبق أحدهما وأشكل السابق.
والثاني: تقسم العين بين المدعيين - وبه قال ابن عمر وابن الزبير والثوري وأبو حنيفة - لما روى تميم الطائي:«أن رجلين اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شيء، فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فقسمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما نصفين» . وروى أبو موسى الأشعري:«أن رجلين اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعير، فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فقسمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما» ، ولأن البينة حجة كاليد، ولو كان لكل واحد منهما يد.. لقسمت العين بينهما، فكذلك إذا كان لكل واحد منهما بينة.
والقول الثالث: أنه يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة.. حكم له بالعين؛ لما روى سعيد بن المسيب:«أن قوما اختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتساوت بيناتهم في العدالة والعدد، فأسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، وقضى للذي خرج له السهم» ، ولأن المدعيين