والثانية -وهي المشهورة عنه-: (إن لم يكن على من عليه الحق دين لغيره.. جاز له أن يأخذ من ماله بغير إذنه بقدر حقه. وإن كان عليه دين لغيره.. أخذ بحصته من ماله) .
دليلنا: ما روي: «أن هندا امرأة أبي سفيان أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي بالمعروف إلا ما أخذته منه سرا؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»
إذا ثبت هذا: فإن له أن يأخذ من ماله، سواء كان من جنس حقه، أو من غير جنس حقه.
وقال أبو حنيفة:(له أن يأخذ من ماله من جنس حقه، وليس له أن يأخذ من غير جنس حقه) . وحكى الشيخ أبو حامد ذلك عن بعض أصحابنا.
والمذهب الأول؛ لـ:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لهند أن تأخذ من مال أبي سفيان» ، ولم يفرق بين أن يكون من جنس حقها، أو من غير جنس حقها.
إذا ثبت هذا: فإن كان الذي أخذه من ماله من جنس حقه.. لم يأخذ إلا قدر حقه، فإذا أخذه.. تملكه. وإن كان الذي أخذه من غير جنس حقه.. فلا يجوز له أن يتملكه؛ لأنه من غير جنس حقه، ولكن يباع ويستوفي حقه من ثمنه. وفي كيفية بيعه وجهان:
أحدهما: يبيعه بنفسه؛ لأنه لو أداه إلى الحاكم وأخبره بذلك.. لم يجز للحاكم بيعه حتى يقيم عنده البينة على حقه وعلى امتناعه، وربما تعذر عليه ذلك، فجوز له بيعه بنفسه؛ لأنه موضع ضرورة.
والثاني: لا يجوز له بيعه بنفسه؛ لأنه لا ولاية له على مالكه.
والحيلة في بيع الحاكم ذلك عليه إذا لم يمكنه إقامة البينة على حقه: أن يواطئ رجلا فيقر له بما أخذه من مال الآخر، ويدعي عليه بدين عند الحاكم، ويقر له به ويمتنع من أدائه، فيأمر الحاكم من يبيع ذلك عليه.