[أحدهما] : قال في القديم: (يجب القود على المدعى عليه) -وبه قال ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والليث، وأحمد - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» ، و (الرمة) : الحبل الذي يقاد به للقتل، وقيل: هو عبارة عن التسليم للقتل. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» ، ومعلوم أن صاحبهم المقتول قد أريق دمه ولا يمكنهم استحقاقه، فثبت أنه أراد دم صاحبكم القاتل.
وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجلا في القسامة من بني مالك» . ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد، فثبت بها القود، كالشاهدين.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يجب القود، وإنما تجب الدية) - وبه قال ابن عباس ومعاوية والحسن البصري، وهو الأصح - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تأذنوا بحرب من الله» ، فلو كان موجب القتل في القسامة مع اللوث القود.. لقال: إما أن تسلموا صاحبكم ليقاد منه. ولأنها حجة لا يثبت بها النكاح، فلا يثبت بها القود كالشاهد واليمين، وفيه احتراز من الشاهدين. وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقسم «خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» فمحمول على: أنه يسلم برمته لتؤخذ منه الدية. وقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» أي: بدل دم صاحبكم وهو الدية؛ لأن صاحبكم في الحقيقة هو الأنصاري دون اليهودي. وأما رواية عمرو بن شعيب.. فمحمولة على: أن المدعي حلف بعد نكول المدعى عليه في غير اللوث. وسميت القسامة لتكرار الأيمان فيها.
فإذا قلنا بقوله الجديد، وأقسم الولي.. وجبت له الدية مغلظة في مال الجاني.
وإن قلنا بقوله القديم: فإن كان المدعى عليه واحدا.. أقيد منه. وإن كانت الدعوة على جماعة يصح اشتراكهم في القتل؛ كالعشرة وما أشبههم، وأقسم عليهم الولي.. فإنهم يقتلون به. وبه قال مالك.