لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤] الآية [النور: ٤] فذكر الله القاذف وبين حكمه، وأنه إذا لم يأت بأربعة شهداء.. جلد ثمانين جلدة، وكان فاسقا، وردت شهادته. وهذه الآية لا تتناول الشاهد في الزنى؛ لأنه قد لا يحد ولا يفسق ولا ترد شهادته وإن لم يأت بأربعة شهداء؛ وهو: إذا أتى بثلاثة شهداء معه، فدل على: أنه ليس بقاذف إذ لو كان قاذفا.. لما خالف سائر القذفة. ولأنه أضاف الزنا إليه بلفظ الشهادة عند الحاكم فلم يكن قاذفا، كما لو تم عدد الأربعة. ولأنا لو قلنا: يجب عليهم الحد إذا لم يتم العدد.. لأدى ذلك إلى أن لا تقام الشهادة على الزنى أصلا؛ لأن الشهود لا يمكنهم التلفظ بالشهادة على الزنى دفعة واحدة، وإنما يشهد واحد بعد واحد، وكذلك كل واحد منهم يتوقف عن الشهادة خوفا من أن لا يتم العدد فيجب عليهم الحد، وإذا كان ذلك يفضي إلى هذا.. لم يصح.
والقول الثاني: أنهم قذفة، ويجب عليهم حد القذف، ويفسقون، وترد به شهادتهم - وهو المشهور من المذهب وبه قال مالك وأبو حنيفة - لما روي:(أن أربعة حضروا عند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليشهدوا على رجل بالزنى، فصرح ثلاثة منهم بالشهادة بالزنى عليه ولم يصرح الرابع، بل قال: رأيتهما في ثوب واحد، فإن كان هذا زنى.. فهو زان، فجلد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثلاثة الذين صرحوا بالشهادة بالزنى، وعزر الرجل والمرأة) .
وروي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استخلف المغيرة بن شعبة على البصرة، فكان نازلا في سفل دار، وكان أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد وزياد في علو الدار، فهبت ريح ففتحت الباب ورفع الستر، فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة فلما كان من الغد.. تقدم المغيرة ليصلي بهم، فأخره أبو بكرة، وقال: تنح عن مصلانا، فكتب بذلك إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فاستحضر عمر المغيرة بن شعبة إليه والشهود، فلما قدموا على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.. شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بالزنى وصرحوا عليه به، فلما أراد زياد أن يشهد.. قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا رجل شاب ولا يشهد إلا