وإن شاهد شاهدان على شهادة أحد شاهدي الأصل، ثم شهدا على شهادة شاهد الأصل الثاني.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يثبتان شهادة شاهدي الأصل، وإنما يثبتان شهادة أحدهما - وهو اختيار المزني - لأن من ثبت به أحد طرفي الشهادة.. لا يجوز أن يثبت به الطرف الآخر، كما لو شهد رجل بحق وكان أصلا في الشهادة، ثم شهد مع آخر على شهادة أصل آخر.. فإنه لا يقبل، فكذلك هذا مثله.
والثاني: يثبتان شهادة شاهدي الأصل - وبه قال ربيعة ومالك وأبو حنيفة، وهو الأصح - لأنهما شهدا على قول اثنين فقبلا، كما لو شهدا على إقرار رجلين. ويخالف إذا شهد بشهادة وكان أصلا فيها، ثم شهد مع آخر على شهادة آخر.. فإنها لا تقبل؛ لأنه يجر بشهادته الثانية إلى نفسه نفعا؛ وهو تصديق شهادته الأولى.
إذا ثبت هذا: فقال الشيخ أبو حامد: أصل هذين القولين: هل شهود الفرع يقومون مقام شهود الأصل، ويثبت الحق بشهادة شهود الفرع كما يثبت بشهادة شهود الأصل، أو لا يقومون مقام شهود الأصل وإنما يثبتون شهادة شهود الأصل، ولا يثبت الحق إلا بشهادة شهود الأصل دون شهود الفرع؟ وفيه قولان.
فإن قلنا: إن شهود الفرع يقومون مقام شهود لأصل.. فلا بد أن يقوم مقام كل واحد من شاهدي الأصل شاهدان منفردان.
وإن قلنا: إنهم لا يقومون مقام شهود الأصل، وإنما يثبتون شهادة شهود الأصل.. جاز أن يشهد على شهادة شهود الأصل شاهدان.
قال ابن الصباغ: ولا معنى لقوله: إنهم يقومون مقام شهود الأصل، ويثبت الحق بشهادة شهود الفرع؛ لأنهم لا يشهدون بالحق وإنما يثبتون شهادة شهود الأصل، ولو قاموا مقامهم.. لقام كل واحد منهم مقام واحد.