وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (حكم الحاكم يحيل الشيء عما هو عليه في الباطن، فإذا ادعى رجل على امرأة أجنبية أنها زوجته فأنكرت، فشهد بذلك شاهدان أنها زوجته وهما شاهدا زور، فحكم له الحاكم بشهادتهما.. فإن الحكم ينفذ ظاهرا وباطنا، وتحل له المرأة.
وهكذا: إذا ادعت امرأة على زوجها أنه طلقها فأنكر، فأقامت على طلاقها شاهدي زور، وحكم الحاكم بشهادتهما.. بانت منه، وحل لكل واحد من الشاهدين أن يتزوجها ولو كان عالما أنه لم يطلقها. وكذلك ما أشبه ذلك) .
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأنا أقضي بما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء.. فلا يأخذ به؛ فإنما أقطع له قطعة من النار» .
فموضع الدليل منه: قوله: «فمن قضيت له من حق أخيه بشيء.. فلا يأخذه» ، وحق أخيه قد يكون مالا وقد يكون طلاقا ونكاحا، فلو كان حكمه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يغير الشيء عما هو عليه في الباطن.. لم يمنع المحكوم له من أخذه.
وروي: «أن سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة ادعيا على وليدة زمعة، فقال سعد: يا رسول الله، إن أخي عتبة عهد إلي أنه ألم بها في الجاهلية، وأن ولدها ابنه، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" ثم رأى به شبها بعتبة، فقال لسودة بنت زمعة: "احتجبي عنه يا سودة» وقد كان حكم بأنه أخوها، فلما رأى به شبها بالزاني.. أمرها أن تحتجب عنه، فلو كان حكم الحاكم يغير الشيء عما هو عليه في الباطن.. لما أمرها بالاحتجاب عنه، ولأنه حكم بسبب غير صحيح في الباطن، فوجب أن لا ينفذ الحكم به في الباطن، كالأموال.