ولا فرق بين أن يوالي الإقرار لهما، أو أن يفصل بينهما بفصل طويل أو قصير.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: القولان إذا سلمها الحاكم إلى زيد، أو حكم عليه الحاكم بالتسليم وأجبره على تسليمها. فأما إذا سلمها المقر بنفسه إلى زيد.. فإنه يغرم لعمرو قيمتها قولا واحدا؛ لأنه ضمنها بالتسليم.
ومنهم من قال: القولان في الحالين، وهو الصحيح؛ لأن الحاكم إنما يسلمها أو يخبره بإقراره.
وإن باع من رجل عينا وأخذ ثمنها، ثم أقر بها لغيره.. لم يقبل إقراره بها للثاني لحق المشتري. وهل يلزمه أن يغرم قيمتها للثاني؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه قولان كالأولى. ومنهم من قال: يلزمه أن يغرم له قيمتها قولا واحدا؛ لأنه قد أخذ عوضها.
وإن أقر رجل أن الدار التي في تركة أبيه لزيد، لا بل لعمرو، وسلمت إلى زيد.. فهل يغرم لعمرو قيمتها؟
قال ابن الصباغ: من أصحابنا من قال: فيه قولان، كما لو قال: غصبتها من زيد، لا بل من عمرو. ومنهم من قال: لا يغرم لعمرو شيئا قولا واحدا.
والفرق بينهما: أن هاهنا أقر بما يغلب على ظنه، ولا يوجد ذلك منه بالعلم والإحاطة، وإذا أقر بمال نفسه.. حمل أمره على العلم والإحاطة، فلم يعذر في الرجوع.
فإن كان في يده دار، فقال: غصبتها من زيد وملكها لعمرو.. وجب عليه تسليمها إلى زيد؛ لأن قوله:(غصبتها من زيد) يقتضي: أنها كانت في يده بحق، وقوله:(وملكها لعمرو) لا ينافي ذلك؛ لأنها قد تكون في يد زيد بإجارة أو موصى له بمنفعتها وملكها لعمرو. ولا تقبل شهادته لعمرو؛ لأنه قد أقر أنه غاصب، وشهادة الغاصب غير مقبولة، ولا يلزمه أن يغرم لعمرو قيمتها قولا واحدا؛ لأنه لم يكن منه تفريط إلا أن يعلم المقر أنها في يد زيد بغير حق.. فلا يجوز له تسليمها إليه فيما بينه وبين الله تعالى، فإن سلمها إليه ضمنها.