أحدهما: تبطل صلاته، وبه قال أبو حنيفة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبَّروا، وإذا ركع فارْكعوا» . فأمر بمتابعة الإمام، فمن خالفه فقد دخل تحت النهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«أَمَا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار» فلو كان هذا جائزًا، لما توعده.
ولأنهما صلاتان مختلفتان في الحكم، فلا يجوز أن ينتقل من إحداهما إلى الأخرى، كالظهر والعصر، وفيه احترازٌ ممَّن انتقل من القصر إلى التمام، أو ممَّن خرج عنه وقت الجمعة، فأتم الظهر.
والقول الثاني: لا تبطل صلاته، وهو الأصحُّ؛ لما روى جابر:«أن معاذًا كان يُصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العِشاء، ثم يأتي قومه في بني سلمة، فيُصليها بهم، فلمَّا كان ذات ليلة أخَّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العِشَاء، فصلَّى معاذ معه، ثم أتى قومه، وافتتح الصلاة بسورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه، وصلَّى لنفسه، فقالوا له: نافقت، فقال: لآتين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأتاه، فأخبره بذلك، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفتَّانٌ أنت معاذ» ولم يأمر الذي انفرد عنه بالإعادة.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا انفراد من غير عذر؛ لأنه لم يكن مسافرًا، ولا يخشى على ماله، وإنما هرب من تطويله.
ولأن الانفراد عن الإمام، لو كان يبطل الصلاة لأبطلها وإن كان لعذر، كالأكل والشرب في الصوم.