فإن تساويا في القراءة، وأحدهما أفقه، فالأفقه أولى؛ لأنه أكمل.
فإن كان أحدهما يحسن الفقه، ولا يحسن الفاتحة، والآخر يحسن الفاتحة، ولا يحسن الفقه فالذي يحسن الفاتحة أولى؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بالفاتحة.
فإن كان أحدهما يحسن القرآن كله، ومن الفقه ما يحتاج إليه في الصلاة، والآخر يحسن من القرآن ما يجزئ في الصلاة، ولكنه يحسن فقهًا كثيرًا، فقد قال الشافعي:(إن قدم الفقيه فحسن، وإن قدم القارئ فحسن، ويشبه أن يكون الفقيه أولى) .
قال أصحابنا: تقديم الفقيه أولى؛ لأن ما يحتاج إليه من القرآن في الصلاة محصور، وما يحتاج إليه من الفقه في الصلاة غير محصور، وربما تحدث عليه حادثة في الصلاة تحتاج إلى الاجتهاد فيها، وإلى هذا ذهب مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، وأحمد، وأبو إسحاق:(القارئ أولى) ، واختاره ابن المنذر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى» .
ودليلنا: ما ذكرناه: من أن الواجب من القراءة في الصلاة محصور، وما يحتاج إليه من الفقه فيها غير محصور.
وأما الخبر: فإنما كان ذلك في الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنهم كانوا يسلمون كبارًا، فيتعلمون القراءة، ويتعلمون أحكامها.
وروي عن ابن مسعود: أنه قال: (ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها، وأمرها ونهيها) ، ولهذا لا يوجد منهم قارئ إلا وهو فقيه، وكثير يوجد منهم فقيه غير قارئ.
وقيل: إن الذي كان يحفظ منهم جميع القرآن سبعة وهم: أبو بكر، وعثمان،