وعلى الحارث: أن من كان في بيته، ولم يفارق البنيان فلم يضرب.
وروى أنس قال:«صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين» .
وروي عن علي بن ربيعة: أنه قال: (خرجت مع علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقصر ونحن نرى البيوت) .
إذا ثبت هذا: فإن كان بطرف البلد مساكن خربت وخليت من السكان، إلا أن الجدران قائمة لم يقصر، حتى يفارقها؛ لأن السكنى فيها ممكن، فإن تهدمت، وذهبت قواعدها جاز له القصر قبل مفارقتها؛ لأنها لا تسكن.
وإن كان حيطان البساتين متصلة بحيطان البلد فله أن يقصر إذا فارق حيطان البلد، وإن لم يفارق حيطان البساتين؛ لأنها ليست بمبنية للسكنى.
قال ابن الصباغ: وإن كان في وسط البلد نهر يجري مثل بغداد، فأراد رجل سفرًا يجتاز فيه إلى الجانب الآخر، لم يجز له أن يقصر، حتى يفارق بنيان الجانب الآخر والنهر، والماء ليس بحائل، ألا ترى أنه لو كان في وسط البلد رحبة واسعة ميدانًا لم يقصر حتى يفارقها، فالنهر أولى بالمنع لتعلق المنافع به.
فإن كان هناك قريتان، فاتصل البناء بينهما، حتى صارتا قرية واحدة لم يقصر حتى يفارق جميعها، وإن كان بينهما فضاء قصر إذا فارق القرية التي هو فيها، وإن لم يفارق القرية الأخرى.
وقال أبو العباس بن سريج: إذا كان بينهما قريب، فهما كالقرية الواحدة.
والمذهب الأول؛ لأن كل واحدة من القريتين منفصلة عن الأخرى، فثبت لكل واحدة حكم نفسها.