وتأويل ذلك: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة يوم الرابع، ولم يكن انتهى سفره؛ لأنه كان يريد الخروج إلى عرفات، فلما خرج إلى عرفات لم ينو الإقامة فيها، فلذلك قصر فيه وجمع، فلما فرغ من نسكه، ونزل من منى لم يدخل مكة، وإنما نزل بالمحصب، فلما كان من الغد دخل مكة، وطاف للوداع، وراح إلى المدينة، فلم ينو الإقامة بمكة.
فإن دخل المسافر في طريقه بلدًا له فيها أهل ومال، ولم ينو الإقامة فيها، فإن له أن يقصر فيها؛ لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حج معه خلق كثير من المهاجرين، وكذلك حج أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالناس في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذلك عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حجًّا بالناس، وكان لهم بمكة دور، وأهل، وقرابة، ولم ينقل: أن أحدًا منهم أتم الصلاة، بل نقل: أنهم قصروا فيها.
ولأن الإقامة إنما تكون بنية الإقامة، أو بأن تحصل بدار إقامته، ولم يوجد شيء منهما.