ومنهم من قال: يجوز هاهنا، قولًا واحدًا؛ لأن الانفضاض من غير عذر، وهاهنا الانفضاض لعذر، وهو الخوف، ولأن مجيء الفرقة الثانية هاهنا يتوقت، وفي الانفضاض لا يتوقت مجيؤها.
فإن قيل: أليس قد قلتم: إن الجمعة إذا أقيمت في المصر الواحد مرة.. لا يجوز إقامتها ثانيًا، فلم جوزتم - هاهنا - للطائفة الثانية أن تصلي الجمعة مع الإمام، والجمعة قد أقيمت؟
فالجواب: أنا إنما نمنع استفتاح الجمعة في المصر بعد إقامتها مرة، وفي هذه المسألة لم تستفتح الجمعة بعد إقامتها، وإنما هو استدامتها؛ لأن الإمام لم يخرج من الجمعة، فالثانية تحرم مع الإمام بالجمعة، تبعًا له.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا يدل على أن الإمام إذا سبق بعض المأمومين بركعة من الجمعة، ثم سلم الإمام ومن معه، وقام المسبوقون لقضاء ما عليهم، فقدم الإمام رجلًا ليتم بهم، أو قدموا هم رجلًًا، وجوزنا ذلك، فأدركهم رجل، وصلى معهم ركعة.. أنهم إذا سلموا.. جاز له أن يقوم، ويأتي بركعة أخرى، وتكون له جمعة؛ لأن هذا وإن استفتح الجمعة، فهو تبع للإمام والإمام مستديم لها، لا مستفتح.
المسألة الثانية: إذا خطب الإمام بالطائفة الأولى، وهم أربعون، فمضوا إلى وجه العدو، وجاءت الثانية، فأحرم بهم الجمعة.. لم تصح في حقه وحقهم؛ لأن هذا في معنى من خطب وحده، وصلى الجمعة بأربعين، وذلك لا يصح.
فإن بقي من الأولى أربعون، ومضى الباقون، وجاءت الثانية.. جاز أن يصلي بهم الجمعة، تبعًا للأربعين الذين سمعوا الخطبة.
المسألة الثالثة: إذا خطب الإمام بالأولى، وصلى بهم الجمعة، وسلم، ثم خطب بالثانية، وصلى بهم الجمعة.. صحت الجمعة في حق الإمام والأولى، دون الثانية؛ لأنه لا تصح إقامة الجمعة في المصر مرة بعد مرة.
المسألة الرابعة: إذا كان الإمام والطائفة خارج المصر.. لم يجز أن يصلوا الجمعة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حج.. وافق عرفة يوم الجمعة، فلم يصل الجمعة،