التغليس في صلاة هذا اليوم أشد استحبابا من سائر الأيام؛ لما روي عن ابن مسعود: أنه قال: «لم يصل رسول الله ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ صلاة الصبح قبل وقتها إلا صلاة الصبح بجمع ـ يعني: بالمزدلفة ـ فإنه صلاها قبل وقتها» ولم يرد: أنه صلاها قبل طلوع الفجر؛ لأن ذلك لا يجوز، وإنما أراد: أنه صلاها قبل وقتها المعتاد؛ لأنه كان في سائر الأيام لا يصلي الصبح حتى يظهر الفجر ويستبين، وفي ذلك اليوم صلاها مع أول طلوع الفجر.
فإذا فرغ من الصلاة.. فالسنة أن يأتي إلى المشعر الحرام، ويقف على (قزح) : وهو جبل بالمزدلفة، وهو المشعر الحرام، ويستقبل القبلة، ويدعو الله تعالى إلى أن يسفر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٨][البقرة: ١٩٨] . وأقل أحوال الأمر الاستحباب. وأيضا فإن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فعل هكذا.
فإذا أسفر.. استحب أن يدفع قبل طلوع الشمس، فإن أخر الدفع حتى طلعت الشمس.. كره؛ لما روى سفيان، عن ابن طاووس، عن أبيه:«أن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ دفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وقال: " إن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن المزدلفة بعد طلوعها، وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير» فأخر هذه وقدم هذه؛ ليخالف هدينا هدي أهل الأوثان والشرك، و (الهدي) : الطريقة والسمت.
وإن خرج من المزدلفة بعد نصف الليل.. فلا شيء عليه؛ لأن الواجب عليه أن يحصل بالمزدلفة في جزء من النصف الثاني من الليل، ولا يجب عليه أن يكون بها في النصف الأول من الليل.
وقال أبو حنيفة:(إذا لم يكن بالمزدلفة عند طلوع الفجر.. كان عليه دم) .