فإن رماه آخر.. نظرت: فإن أصابه الثاني في محل الذكاة، بأن قطع حلقومه ومريئه أو ثغرة نحره.. حل أكله، ووجب على الثاني ما بين قيمته مذبوحا ومجروحا، كما لو ذبح لغيره شاة مجروحة. وإن أصابه في غير محل الذكاة.. نظرت: فإن وجأه مثل: أن وقع في قلبه أو خاصرته.. حرم أكله؛ لأنه قتله بعد أن صارت ذكاته في الحلق واللبة، ويجب عليه للأول قيمته مجروحا. وإن لم يوجئه الثاني، بل جرحه جرحا قد يسري إلى نفسه، فإن لم يقدر الأول على ذكاته مثل: أن جاء إليه وقد مات، أو جاء إليه وقد بقي من حياته ما لا يتسع الزمان لذكاته.. حرم أكله، ويجب على الثاني قيمته مجروحا، وإن أدرك الأول ذكاته ولم يذكه حتى مات.. لم يحل أكله: لأنه ترك ذكاته مع إمكانها، وأما الذي يجب على الثاني.. ففيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو سعيد الإصطخري: يجب عليه قيمته مجروحا؛ لأن الأول لم يوجد منه أكثر من الرمي الذي ملكه به وترك الذكاة، وهنا لا يسقط ما وجب له على الثاني، كما لو جرح له شاة وترك مالكها ذكاتها حتى ماتت.
و [الثاني] : قال عامة أصحابنا: لا يجب على الثاني كمال قيمته مجروحا، وهو المذهب؛ لأن جراحة الأول وإن كانت مباحة إلا أنه لما أدرك ذكاته ولم يفعل.. تبينا أنها وقعت محظورة، وجراحة الثاني محظورة الابتداء، وإذا مات بجراحتين محظورتين.. لم يجب على أحدهما كمال قيمته، كما لو جرح رجل شاة لنفسه، ثم جرحها آخر فماتت من الجراحتين.. فإنه لا يجب على الثاني كمال قيمتها.
فإذا قلنا بهذا: قسمت القيمة على قدر الجنايتين: فما خص جراحة الأول.. سقط، وما خص جراحة الثاني.. وجب عليه. فتفرض المسألة في صيد مملوك لرجل، قيمته عشرة دراهم، جرحه رجل جراحة نقص بها من قيمته درهم، ثم جرحه الثاني جراحة نقص بها درهم، ثم مات منهما، ففيه ستة أوجه:
أحدها - وهو قول المزني ـ: أنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته، وهو درهم، ثم يجب على كل واحد منهما نصف قيمته بعد الجنايتين، فيجب على كل واحد منهما خمسة؛ لأن كل واحد منهما انفرد بجناية أرشها درهم، فوجب عليه أرش ذلك، ثم مات منها، فوجب قيمته بعد ذلك بينهما. فإن نقص بجناية الأول ثلاثة