والقول الثاني: أنه لا يبرأ من شيء من العيوب، وهو قول شريح، وعطاء، وطاوس، والحسن، وأحمد، وإسحاق؛ لما روي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نهى عن بيع الغرر» . وفي البيع بهذا الشرط غرر؛ لأن المشتري لا يدري كم ينقص العيب من قيمة المبيع، ولأنه شرط يرتفق به أحد المتعاقدين، فلم يصح مجهولاً، كشرط الرهن المجهول، والأجل المجهول، وفيه احترازٌ من خيار المجلس والشرط، فإنه يرتفق به المتعاقدان.
والقول الثالث ـ وهو الصحيح ـ: أنه يبرأ من عيب واحد، وهو العيب الباطن في الحيوان الذي لم يعلم به البائع، ولا يبرأ مما سواه، وهو قول مالك؛ لما روي:(أن ابن عمر باع غلامًا له من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة من كل عيب، فأصاب به زيدٌ عيبًا، فأراد رده، فأتى ابن عمر، فتحاكما إلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال عثمان بن عفان لابن عمر: أتحلف أنك لم تعلم بعيب فيه؟ فأبى ابن عمر أن يحلف، وقبل الغلام، فباعه بألف درهم، وقيل: بألف وخمسمائة درهم) .
ووجه الدليل من هذا: أن عثمان قال: (أتحلف أنك لم تعلم بعيب به؟) . فدل على: أنه إنما يبرأ من العيب إذا لم يعلم به، وأمّا إذا علم بالعيب: لم تصح البراءة منه، ولم ينكر ذلك منكر من الصحابة.