قال الشافعي:(ولأن الحيوان يغتذي بالصحة والسقم، وتحول طبائعه، وقل ما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر) . ومعناه: أن الحيوان يعتلف في حال الصحة والسقم، ولا يمكن معرفة عيبه، فكانت به حاجة إلى البراءة من العيوب الباطنة التي لم يعلم بها، وجاز ذلك، كما جاز بيع المنافع قبل أن تخلق للحاجة، ولم يجز بيع الحيوان قبل أن يخلق؛ لأنه لا حاجة به إلى ذلك.
فعلى قول أبي سعيد في غير الحيوان من الثياب وغيرها قولان:
أحدهما: لا يبرأ من عيب فيها.
والثاني: يبرأ من كل عيب فيها، ويسقط القول الثالث.
و [الوجه الثاني] : من أصحابنا من قال: المسألة على قول واحد، وهو: أنه يبرأ من العيب الباطن في الحيوان الذي لا يعلم به البائع، ولا يبرأ من العيب الباطن فيه الذي يعلم به البائع، ولا من العيوب الظاهرة فيه علم بها البائع أو لم يعلم ولا يبرأ من شيء من العيوب في غير الحيوان، باطنة كانت أو ظاهرة، علم بها البائع أو لم يعلم، وكذلك ما مأكوله في جوفه، مثل: الجوز واللوز والرمان، حكمه حكم الثياب، والفرق بينه وبين الحيوان: ما أشار إليه الشافعي: أن الغالب في الحيوان وجود العيب في باطنه، بخلاف ما مأكوله في جوفه، فإن الأكثر في جوفه السلامة.
فإذا قلنا: إن البيع بهذا الشرط صحيح، فحدث به عيب عند البائع بعد البيع، وقبل القبض.. لم يبرأ منه. وقال أبو يوسف: يبرأ منه.
دليلنا: أنه إسقاط حق قبل ثبوته، فلم يصح، كما لو أبرأه مما يستحب عليه.
وإذا قلنا: إن شرط البراءة لا يصح.. فهل يصح البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: أن البيع صحيح، ويثبت للمشتري الخيار إذا وجد العيب؛ لأن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حكم بصحة البيع.