ولم يصرفه بعد انقراضهم على سبيل لا ينقطع.. ففيه قولان:
أحدهما: أن الوقف باطل. وبه قال محمد بن الحسن؛ لأن مقتضى الوقف التأبيد، وهذا ليس بمؤبد؛ لأن نسله قد ينقطع، فلم يصح الوقف، كما لو كان مجهول الابتداء والانتهاء.
والثاني: يصح الوقف. وبه قال مالك؛ لأن ابتداء الوقف معلوم، ويمكن نقله إلى غيره بعد انقراضه، فصح، كما لو كان معلوم الابتداء والانتهاء.
فإذا قلنا: إن الوقف باطل.. فإن الموقوف يكون باقيًا على ملك الواقف.
وإذا قلنا: إن الوقف صحيح.. فإن الوقف يصرف إلى الموقوف عليهم ما داموا. فإذا انقرضوا.. ففيه ثلاثة أقوال حكاها المسعودي [في " الإبانة " ق\٣٤٧] :
أحدها: يصرف إلى المساكين؛ لأنهم هم الذين يؤول إليهم الوقف الصحيح.
والثاني- وهو قول أبي يوسف -: أنه يرجع ملكًا إلى الواقف إن كان باقيًا، أو إلى وارثه إن كان ميتًا؛ لأنه جعله وقفًا على ما سماه، فلا يجوز أن يكون وقفًا على غيره، فرجع إلى الواقف.
والثالث- وهو الصحيح، ولم يذكر أصحابنا البغداديون غيره-: أن ينقل إلى أقرب الناس بالواقف؛ لأن ملكه قد زال عنه على وجه القربة، فلم يعد إليه، كما لو أعتق عبدا. وإذا لم يعد ملكه إليه.. كان أقاربه بعد من سماه أولى؛ لأنه قصد جهة الثواب وأولى جهات الثوب أقاربه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة وذو رحم محتاج» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صدقتك على المساكين صدقة، وعلى ذي رحم اثنتان: صدقة وصلة» .