وظاهر هذا: أن هذه الأمراض ليست بمخوفة إلا إذا انضافت إلى حمى الغب أو الربع.
قال أصحابنا: وليس هذا على ظاهره، بل هذه الأمراض مخوفة وإن انفردت، وإنما هي مع الحمى أشد خوفا. وقد نص على ذلك في " الأم "؛ لأن (البرسام) : بخار من الحمى يرتقي إلى الرأس أو الصدر فيختلط معه العقل فيهذي، فيكون مخوفا. وأما (الرعاف) : فإن كان يسيرا لحظة أو ساعة.. فليس بمخوف. وإن كان متصلا دائما.. فهو مخوف؛ لأنه ينزف دمه، فهو كما لو افتصد ولم يسده.
وأما (ذات الجنب) : فهو داء يقع في الجنب، فيرم وينتفخ وينفذ، ويكون ذلك بقرب القلب، يؤلم ألما شديدا، وربما انفتح إلى قلبه فمات عقيبه.
وكذلك (ذات الخاصرة) : جرح يقع في الخاصرة.. فهو مخوف. وكذلك قروح الصدر والرئة مخوفة؛ لأنه يصعب علاج قروح الصدر، والرئة لا تقبل العلاج؛ لأنها تضطرب أبدا وتتحرك فلا تقبل العلاج.
(والقولنج) : هو أن يستمسك طبعه فيحمي جسمه، ويرتفع إلى رأسه بخارات نخمية، فيختلط معها العقل، فيهلك.
وأما (القيام) : فهو إسهال البطن، فإن كان مسترسلا بحيث لا يقدر على حبسه، بل يخرج منه بغير اختياره.. فهو مخوف وإن كان قليلا؛ لأن هذا لا يكون إلا بسقوط القوة، ويخشى منه معاجلة الموت.
وإن كان غير مسترسل، ويمكنه إمساك نفسه فيه، فإن كان ذلك يوما أو يومين وليس معه دم.. فليس بمخوف؛ لأنه لا يخاف منه التلف إذ قد يكون من غير علة، وقد يكون من امتلاء فيدفع الطبيعة، فتحل محل الدواء.
وإذا كان محتملا.. لم يجعل مخوفا. وإن جاوز يومين.. صار مخوفا؛ لأنه ينشف الرطوبة الغريزية، فتغلب اليبوسة عليه، فيؤدي إلى التلف.