فإن قيل: هلا قلتم: إنه لا يعتق بالأداء قبل أن يؤدي أرش الجناية، كما قلتم في عتق الجاني في أحد القولين؟
قلنا: فالجواب: أن العتق هاهنا وقع بالصفة السابقة للجناية، فلم تكن الجناية مانعة منه، ألا ترى أنه لو قال لعبده: إذا دخلت الدار فأنت حر، ثم جنى، ثم دخل الدار.. فإنه يعتق بالصفة السابقة ولا يمنع منه أرش الجناية المتعلق برقبته؟ فكذلك هذا مثله.
وإن كان ماله لا يفي بديونه، وسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه.. نظرت:
فإن سأله المولى أن يحجر عليه لأجل مال الكتابة.. لم يحجر عليه بسؤاله؛ لأن دينه غير مستقر؛ لأن للعبد أن يسقطه بالعجز.
وإن سأله من له دين معاملة أو عوض قرض أو أرش جناية أن يحجر عليه لأجل ديونهم.. حجر عليه؛ لأنه ليس بأولى من الحر، فإذا جاز الحجر على الحر لما عليه من الدين.. فالمكاتب أولى. فإذا حجر عليه وكانت ديونهم كلها حالة أو بعضها مؤجلا، وقلنا يحل المؤجل بالحجر.. فنقل المزني:(أن الحاكم إذا أوقف ماله.. أدى إلى سيده وإلى الناس ديونهم شرعا) . يريد: سواء.
واختلف أصحابنا في ذلك: فحمل أبو إسحاق المروزي كلام الشافعي على ظاهره. وقال: يساوى بين السيد وبين سائر الغرماء ويقسط ماله بينهم على قدر ديونهم؛ لأن الحر إذا حجر عليه.. قسم ماله بين غرمائه على قدر ديونهم، فكذلك المكاتب.
وقال سائر أصحابنا: لا يساوى بينهم، وهو الصحيح، بل يقدم دين المعاملة وبدل القرض على أرش الجناية ومال الكتابة؛ لأن دينهما يختص بما في يده، والمجني عليه والسيد يرجعان إلى الرقبة. فإن لم يف ماله بدين المعاملة وبدل القرض.. قسم بينهما على قدرهما، وإن بقي من ماله شيء بعدهما.. قدم أرش الجناية على مال