ومن أصحابنا من قال: القولان في الحالين؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الأم ": (لو قطع ذمي يد مستأمن، فنقض المستأمن العهد، ولحق بدار الحرب، ثم عاد بأمان، ثم سرت إلى نفسه.. فهل على القاطع القود؟ فيه قولان) . ونقض العهد في حق المستأمن كالردة للمسلم، وقد نص فيه على قولين. وإن كان قد لحق بدار الحرب، ثم عاد، وهذا زمان تسري فيه الجناية.
والأول هو المشهور. والنص في المعاهد متأول على: أنه كان مجاوراً لدار الحرب، فلحق بها، ثم عاد من وقته قبل أن يمضي زمان تسري الجناية في مثله.
فإن قلنا: يجب عليه القصاص في النفس.. فالولي بالخيار: بين أن يقطع يده ثم يقتله، وبين أن يقتله.
وإن قلنا: لا يجب عليه القصاص في النفس.. فهل يجب عليه القصاص في اليد؟ فيه قولان، كما لو مات على الردة، ويأتي توجيههما.
وأما الكفارة: فإنها تجب عليه على القولين؛ لأن الجناية وقعت والنفس محرمة القتل.
وأما الدية: فإذا قلنا: لا يجب القصاص، أو قلنا: يجب وعفا الولي عن القصاص أو كانت الجناية خطأ. فقال البغداديون من أصحابنا: إن لم يبق في الردة زمان تسري الجناية في مثله.. وجبت فيه دية مسلم؛ لأن الجناية مضمونة، والسراية مضمونة، وزمان الردة لا تأثير له. وإن أقام في الردة زماناً تسري الجراحة في مثله.. فحكى الشيخ أبو حامد فيه وجهين، وحكاهما الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ قولين:
أحدهما: يجب عليه نصف الدية؛ لأن الجناية مضمونة، والسراية غير مضمونة، والروح قد خرجت منهما، فلم يجب عليه كمال الدية، كما لو جرح رجل مسلماً، ثم ارتد المجروح، وجرحه آخر في حال الردة، ومات.. فإنه لا يجب على الأول إلا نصف الدية.