والثاني: يجوز؛ لأنها مدة تقصر عن مدة الجزية، فجاز فيها عقد الهدنة، كأربعة أشهر.
وإن كان الإمام غير مستظهر على المشركين؛ أما لقلة عدد المسلمين، أو كثرة عدد المشركين، أو لضعف ثبات المسلمين في القتال، أو لقلة ما في يده من المال بالنسبة لما يحتاج إليه من المال في قتالهم.. فللإمام أن يهادنهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال: ٦١][الأنفال: ٦١] و (السلم) : الصلح.
وله أن يهادنهم مع استظهارهم ما يرى فيه المصلحة من السنة وما زاد عليها إلى عشر سنين لما رُوِيَ:«أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالح سهيل بن عمرو في الحديبية على ترك القتال عشر سنين، وكتب في الكتاب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو: على وضع القتال عشر سنين» وإنما هادنهم هذه المدة؛ لأنه جاء إلى المدينة ليقيم لا ليقاتل، وكان بمكة مسلمون مستضعفون، فهادنهم حتى أظهر من بمكة إسلامه، فكثر المسلمون فيهم.
قال الشعبي: لم يكن في الإسلام فتح مثل صلح الحديبية.
هذا ترتيب الشيخ أبي إسحاق وابن الصبَّاغ. وذكر الشيخ أبُو حامد في " التعليق ": أن القرآن ورد بجواز الهدنة أربعة أشهر، و «عقد النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدنة مع سهيل بن عمرو عشر سنين، ثم نقض الهدنة قبل انقضاء العشر» .
واختلف أصحابنا في ذلك:
فمنهم من قال: نقض النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدنة.. نسخ للهدنة فيما زاد على أربعة أشهر.
ومنهم من قال: ليست بنسخ. وهو الأصح؛ لأن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقد الهدنة سنة ست