وذكر الشيخ أبُو حامد: أن القبائل لما أحاطت بالمدينة عام الخندق.. وافق النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين على أن يجعل لهم ثلث ثمار المدينة وعلى أن ينصرفوا. ثم استشار سعد بن معاذ رئيس الأوس وسعد بن عبادة رئيس الخزرج، فأجاباه بنحو ما ذكرناه، فلم يعطهم النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا.
فإن قيل: فإن كان النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون مضطرين إلى ذلك وقد فعله.. فكيف جاز له نقضه؟ وإن لم يكونوا مضطرين.. فكيف فعله؟ فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظن أن الحال حال ضرورة، وأن الأنصار قد ملوا القتال، فلما بان له قوة نياتهم في القتال.. علم أن الحال ليس بحال ضرورة، فنقض ما كان فعله، كما رُوِيَ:«أنه أقطع الأبيض بن حمال ملح مأرب، فقيل له: إنه كالماء العد من ورده.. أخذه، قال: فلا إذن» ؛ لأنه كان ظن في الابتداء أنه من المعادن التي يحتاج فيها إلى الحفر، فلما تبين له الحال.. نقض ما كان فعله.
والثاني: أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن عقد الهدنة، ولم يكن بذل المال لهم، وإنما كان هَايَأَ المشركين على ذلك وهم بالعقد، فلما علم قوة نية الأنصار.. لم يعقد. فلو لم يجز بذل المال عند الضرورة.. لما شاورهم النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
إذا ثبت هذا: فهل يجب بذل المال عند الضرورة؟ فيه وجهان، بناء على الوجهين في وجوب الدفع عن نفسه بالقتال، أو بأكل الميتة إذا اضطر إليها.
قال الشيخُ أبُو إسحاق: وإن قبض الكفار منهم المال على ذلك.. لم يملكوه؛