فإن طولب بالجواب فأجاب، أو أجاب من غير مطالبة.. فلا يخلو: إما أن يقر أو ينكر.
فإن أقر بما ادعى عليه، فإن سأله المقر له أن يحكم له على المقر بما أقر له به.. حكم له بذلك. وإن لم يسأله ذلك.. لم يجز له أن يحكم له بذلك؛ لأن الحكم حق للمقر له، فلا يفعله بغير إذنه.
فإن أنكر المدعى عليه، فإن كان الحاكم يعلم أن المدعي لا يعلم أن هذا موضع إقامة البينة.. فإنه يقول له: ألك بينة تشهد لك عليه؟ وإن كان يعلم أن ذلك موضع إقامة البينة.. فله أن يقول له ذلك، وله أن يسكت.
وحكي: أنه كان بالبصرة شابان يتفقهان على مذهب الشافعي، وكان أول من تفقه فيها على مذهب الشافعي، فلما ولي عيسى بن أبان قضاء البصرة أراد أن يعرفاه بأنفسهما، فتواطآ على أن يدعي أحدهما على صاحبه شيئا بين يديه، فتقدما إليه وادعى أحدهما على الآخر حقا، فبادر عيسى بن أبان فقال للمدعى عليه: ما تقول فيما ادعاه عليك؟ فقال المدعي: ما سألتك أن تستفهم منه، وقال الآخر: أيها القاضي إن كان خصمي لم يسألك مطالبتي فلم تسألني؟ فقال للمدعي: أأسأله عما ادعيت؟ فقال: سله، فلما سأله.. قال: ليس له علي شيء، فقال عيسى بن أبان: قد أنكر، فقال المدعي: أنا أقرب إليه أيها القاضي! تعرفني شيئا أنا به خبير، فتحير عيسى، وقال: من أنتما؟ فقالا: نحن من أصحاب الشافعي ونتفقه على مذهبه، وإنما أردنا أن نعرف أنفسنا إليك لنعمل في ديوان الحكم، قال: فأحسن إليهما وقبلهما، وارتفع بذلك شأنهما عنده.
إذا ثبت هذا: فإن لم يكن للمدعي بينة، وكانت الدعوى في غير دم.. فالقول قول المدعى عليه مع يمينه؛ لما روى وائل بن حجر: «أن رجلا حضرميا ادعى على رجل من كندة أرضا في يده، فقال الكندي: أرضي وفي يدي أزرعها، لا حق له فيها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحضرمي:" ألك بينة؟ "، فقال: لا، قال:" لك يمينه "،