فقال: إنه لا يبالي بما يحلف؛ لأنه لا يتورع عن شيء، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ليس لك إلا ذلك» . ولأن جنبة المدعى عليه هاهنا أقوى؛ لأن الأصل براءة ذمته، فكان القول قوله.
ولا يجوز للقاضي أن يحلفه إلا بسؤال المدعي؛ لأن الحق له فلا يستوفيه إلا بإذنه، فإن حلفه بغير إذنه.. لم يعتد بيمينه، وللمدعي أن يطالب بإعادة اليمين؛ لأنها لم تقع موقعها.
فإن قال المدعي للمدعى عليه: أبرأتك من اليمين.. سقط حقه منها في هذه الدعوى، وله أن يستأنف الدعوى، فإذا أنكره.. فله أن يحلفه، فإذا حلف له المدعى عليه.. سقطت عنه الدعوى في ظاهر الحكم، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين.. لم يحكم عليه بنكوله بالحق المدعى به عليه، بل يرد اليمين على المدعي، فإذا حلف.. حكم له بما ادعاه. وبه قال الشعبي والنخعي.
وقال مالك:(إن كان ذلك الحق مما يقبل فيه الشاهد والمرأتان، أو الشاهد واليمين.. ردت اليمين على المدعي، وإن كانت مما لا يقبل فيه إلا الشاهدان.. لم ترد اليمين على المدعي، بل يحبس المدعى عليه حتى يقر أو يحلف) .
وقال أبو حنيفة:(إن كانت الدعوى في المال ونكل المدعى عليه عن اليمين.. كرر الحاكم عليه ثلاثا، فإن حلف، وإلا.. حكم عليه بنكوله، ولزمه المال. وإن كان في القصاص.. لم يحكم عليه بالقصاص بالنكول، بل يحبس حتى يقر أو يحلفه) .