وجملة ذلك: أنه إذا كانت في يد رجل دار، فجاء رجل وادعى أن أباه مات وترك هذه الدار له ولأخيه الغائب، فأنكر من بيده الدار، فإن لم يكن مع المدعي بينة.. فالقول قول من الدار في يده مع يمينه. وإن أقام الابن الحاضر بينة أن أباه مات وخلف ابنين هذا والغائب، وقالت البينة: لا نعلم له وارثا سواهما، والبينة من أهل الخبرة الباطنة بالميت.. فإن الحاكم يسمع هذه البينة ويحكم بالدار للميت، وينتزعها ممن هي في يده، ويسلم إلى الحاضر نصفها ويسلم النصف الذي للغائب إلى أمين يحفظه له إلى أن يقدم، وإن أمكن إكراؤه له.. أكراه له وحفظ أجرته، وكذلك إذا كانت العين المدعى بها مما تنقل وتحول.. وبه قال أبو يوسف وأحمد ومحمد. وقال أبو حنيفة:(إذا كانت العين المدعى بها مما تنقل وتحول.. فكما قلنا، وإن كانت مما لا تنقل ولا تحول كالدار والأرض.. فإنه لا ينتزع نصيب الغائب من يد المدعى عليه حتى يقدم الغائب ويدعيه، كما لو ادعى رجل أن هذه الدار له ولشريكه وأقام على ذلك بينة.. فإن نصيب الغائب لا ينتزع) .
دليلنا: أن هذه الدار إذا ثبتت.. فإنها تثبت للميت، ثم تنتقل إلى ورثته، وما كان حقا للميت.. فعلى الحاكم سماع البينة فيه؛ لأنه يلي على الأموات، بخلاف الدار بين الشريكين؛ فإنه لا ولاية له على الغائب. ولأن نصيب أحد الأخوين الوارثين متعلق بسلامة نصيب الآخر؛ لأنه لو أخذ الحاضر النصف ثم قدم الغائب فجحده من هو في يده على النصف الباقي ولم تقم له بينة.. فإنه يشارك أخاه في النصف الذي حصل له، فكذلك [إذا] سمعها وحكم بها. ولأن كل ما كان للحاكم أن ينتزعه إذا كان مما ينقل.. كان له أن ينتزعه وإن كان مما لا ينقل، كما لو كان أخوه صغيرا أو مجنونا. وإن كان المدعى به دينا.. ففيه وجهان:
أحدهما: يأخذ نصيب الغائب ويحفظه عليه، كما لو كان المدعى به عينا.
والثاني: أنه ليس له أن يأخذه؛ لأن تركه في الذمة أحوط لصاحبه.
وإذا دفع إلى الحاضر نصيبه من الدين أو العين في هذا القسم.. لم يجب أن يؤخذ منه ضمين؛ لأن في ذلك طعنا على البينة.
فأما إذا لم تكن البينة من أهل الخبرة الباطنة بالميت، أو كانت من أهل الخبرة