وقال ابن الصباغ: فيها نظر؛ لأنه متى وجد عدد مجتمع على ذلك.. غلب على الظن أنه قتله، وتجويز تواطئهم على الكذب لا يمنع الظن، كتجويز كذب العدل في الظاهر. وإن شهد بذلك صبيان أو فساق أو كفار كشهادة النساء والعبيد.. ففيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو إسحاق: لا يكون لوثا على المشهود عليه؛ لأن أخبارهم غير مقبولة في الشرع.
و [الثاني] : من أصحابنا من قال: يكون لوثا على المشهود عليه، وهو الأصح؛ لأنا إنما جعلنا قول الجماعة من النساء والعبيد لوثا؛ لأن الله تعالى لم يجر العادة أن الجماعة يكذبون في شيء واحد من غير تواطؤ على الكذب، وهذا المعنى موجود في هؤلاء، ولأن لقولهم حكما في الشرع؛ بدليل أن قولهم يقبل في قبول الهدية وفي الإذن في دخول الدار.
السبب السابع: أن يشهد رجل عدل على رجل أنه قتل فلانا.. فإنه يكون لوثا.
هذا مذهبنا، وقال مالك:(جميع هذه الأسباب لا يكون لوثا إلا إذا شهد رجل عدل أنه قتل فلانا.. فإنه يكون لوثا) .
دليلنا: أن قتيل الأنصار وجد في خيبر وهي مسكن اليهود ولا يسكن معهم غيرهم وهم أعداء الأنصار، فجعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوثا، والمعنى في ذلك: أنه يغلب على الظن مع ذلك أنهم قتلوه، وهذا المعنى موجود في هذه الأسباب، فكانت لوثا، كما لو شهد رجل عدل على رجل أنه قتل رجلا.
إذا ثبت هذا: فشهد رجل عدل على رجل أنه قتل رجلا، وكان القتل موجبا للمال.. حلف المدعي يمينا واحدة وقضي له بالمال؛ لأن ذلك يثبت بالشاهد واليمين. وإن كان القتل موجبا للقود.. فإنه يحلف خمسين يمينا ويجب له القود على القديم، وعلى الجديد لا تثبت له إلا الدية.