والثاني: تقبل شهادتهم، وهو الأصح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣][الحجرات: ١٣] فعلق الحكم بالتقوى. ولأن هذه مكاسب مباحة، وبالناس إليها حاجة، فلو تجنبها جميع الناس لأجل الشهادة.. لاستضروا بذلك.
وأما الحائك: فإن قلنا: إن شهادة الحجام والكناس والدباغ تقبل.. فالحائك أولى بالقبول. وإن قلنا: لا تقبل شهادتهم.. ففي الحائك وجهان. الصحيح: أنها تقبل. وأما الصباغون والصواغون: فقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «أكذب الناس الصباغون والصواغون» فقيل: فيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد أنهم يكذبون في مواعيدهم.
والثاني: أنهم يسمون الأشياء بغير أسمائها؛ لأن الصباغ يقول: أصبغ فاحما أو مسكيا وسماويا وزرعيا، ويقول الصواغ: أصوغ طيرا أو سمكة، فهم يقولون ما لا يفعلون. فينظر فيه: فإن تكرر منه الكذب في المواعيد وصار ذلك غالب أحواله.. ردت شهادته بذلك. وإن كذب في التسمية.. لم ترد شهادته؛ لأن هذه الأسماء مجاز، ويجوز استعمال الأسماء مجازا.
قال أكثر أصحابنا: لا ترد شهادتهم لأجل حرفهم؛ لأنها ليست بدنيئة.
وقال صاحب " الفروع ": شهادتهم كشهادة الحائك على ما مضى.