قال ابن الصباغ: وأما الدين.. فإن أصحابنا لا يسلمونه، ويمكن أن يفرق بينهما: بأن قدره لا يقع فيه استفاضة، وإنما يستفيض الدين في الجملة من حيث المطالبة والملازمة، بخلاف الأعيان.
فإن قيل: فقد يمكنه أن يعلم الملك بمشاهدة سببه، فلا حاجة به إلى الشهادة عليه بالاستفاضة؟ فالجواب: أن وجود السبب لا يثبت به الملك قطعا ويقينا؛ لأنه يجوز أن يشتري من إنسان شيئا لا يملكه، أو يصطاد صيدا قد اصطاده غيره وانفلت منه، وإنما يتصور ذلك نادرا؛ مثل: أن يشاهد رجل ماء نزل من السماء فأخذه إنسان ولم يغب عن عين الشاهد من حين نزل إلى أن أخذه من أخذه، وكذلك إذا شاهد رجلا أخذ ماء من ماء دجلة أو من البحر.. فقد قال بعض أصحابنا: يجوز أن يكون هذا الماء أخذه غيره قبله ثم رده إلى دجلة أو إلى البحر بعد أن ملكه الأول، وهذا ضعيف.
ولا يجوز أن يشهد بملك مضاف إلى سبب، كالبيع والهبة وما أشبههما بالاستفاضة، فيقول: أشهد أنه ملكه بالبيع أو الهبة؛ لأنه يمكنه مشاهدة العاقدين إلا الميراث؛ فإنه يجوز له إذا سمع الناس يقولون: ورث فلان هذه الدار.. جاز له أن يشهد أنها ملكه ميراثا؛ لأن الموت يثبت بالاستفاضة وكذلك ما يتعلق بسببه، بخلاف سائر أسباب الملك، مثل: البيع والهبة وغيرهما من العقود؛ فإنه لا تجوز الشهادة عليها بالاستفاضة، وكذلك ما يتعلق بسببها.
وكل موضع قلنا: يجوز تحمل الشهادة فيه بالسماع بالاستفاضة.. اختلف أصحابنا في أقل عدد يجوز للشاهد الرجوع إليهم وتحمل الشهادة عن قولهم:
فقال الشيخ أبو حامد: أقل ذلك أن يسمع الشاهد ذلك من رجلين عدلين. قال ابن الصباغ: ويسكن قلبه إلى خبرهما على هذا؛ لأن الحقوق تثبت بشهادة اثنين.
وقال القاضي أبو الحسن الماوردي: لا يقبل إلا من عدد يقع العلم بخبرهم؛