للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما (الذي لا يحصل العلم به إلا بالمشاهدة والسماع) فهي: الشهادة على العقود؛ مثل البيع والرهن والصلح والإجارة والنكاح، فلا يحصل له العلم بالشهادة في ذلك إلا بمشاهدة الشاهد للعاقدين وسماعه لقولهما. وكذلك الشهادة على الطلاق والقذف والإقرار وغير ذلك من الأقوال.. فإنه لا يحصل العلم إلا بمشاهدة القائل وسماعه لقوله، ولا يجوز له أن يتحمل الشهادة على ذلك بالاستفاضة؛ لأنه يمكنه الرجوع في ذلك إلى اليقين والإحاطة، فلا يجوز له الرجوع فيها إلى الظن.

وأما (الذي يحصل العلم به بالسماع من غير أن يشاهد المشهود عليه) فهي ثلاثة أشياء: النسب، والموت، والملك المطلق. فأما (النسب) : فإنه إذا استفاض في الناس أن فلانا ابن فلان، وسمع رجل هذه الاستفاضة.. جاز له أن يشهد أن فلانا ابن فلان - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأن إلحاق النسب بالأب إنما يكون من طريق الظاهر؛ وهو: إذا ولد على فراشه ولا يمكن إلحاقه به من طريق القطع، فجاز التحمل بالشهادة في ذلك من طريق الظاهر أيضا. وأما (الموت) : فإنه إذا استفاض في الناس أن فلانا مات، وسمع رجل هذه الاستفاضة.. جاز له أن يشهد أن فلانا مات؛ لأنه قد يموت في السفر والحضر، فيشق أن يشهد على موته الشهود، ولأنه مأمور بتعجيل دفنه ولا ينتظر به الشهود، ولأنه يتعذر معرفة موته قطعا؛ لأنه قد يموت بعلة معروفة وغير معروفة، والموت يشبه السكتة، فجاز تحمل الشهادة على ذلك من طريق الظن. وأما (الملك المطلق) : فيجوز تحمل الشهادة فيه بالسماع، فإذا استفاض في الناس أن هذه الدار لفلان، وسمع ذلك رجل.. جاز له أن يشهد بملك الدار له. وقال أبو حنيفة وأصحابه: (لا يجوز تحمل الشهادة على ذلك بالسماع؛ لأنه شهادة بمال، فلم يجز تحملها بالسماع من غير المشهود عليه، كالدين) .

دليلنا: أن الملك يقع بأسباب مختلفة؛ مثل البيع والهبة والإرث والإحياء والاصطياد وغير ذلك، وقد يتعذر معرفة سببه، فجازت الشهادة عليه بالاستفاضة كالنسب والموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>