الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
وبعد، فإن الأمم الحية الناهضة تهتم بتاريخها، وتعتنى بدراسته دراسة فاحصة تكشف كل ما تضمنه من آثار وأسرار وأخبار، وتجلو ما فيه من عبر ينتفع بها أولو الأبصار.
وليس ذلك لونا من ألوان الترف الفكري، وإنما هو ضرورة تقتضيها مصلحة الأمة ربطا للحاضر بالماضي وليكون بناء المجتمع على أساس متين.
وأمة العرب أمة ناهضة ازدهر تاريخها منذ الإسلام، وكان لها في قارات العالم أثر أي أثر، كان لها أثر في آسيا وفي إفريقيا وفي أوروبا، لقد حملت إلى هذه القارات مشاعل الهداية والعلم، والحضارة والمدنية، حملت إليها الرسالة المحمدية بكل مبادئها وتعاليمها وفضائلها ومثلها، وأثرت فيها تأثيرا كبيرا.
والشخصيات التي حملت هذا العبء بعد صاحب الرسالة هي شخصيات الصحابة أولئك الذين كانوا مفخرة العالم، وهداة الإنسانية، وروادها الأفاضل.
ولا عجب فقد كان لهم الفضل عليها حين حملوا إليها تعاليم الرسالة وصورة الرسول متمثلة في أقوالهم وأفعالهم ورواياتهم.
لقد كان كل منهم يحرص على أن يحاكيه في حركاته وسكناته وكلماته.
كان كل منهم يحرص على أن يعيش في ظلال صاحب الرسالة ليذكر بذكره، ويحظى بشرف الانتساب إليه لقد خرّجت المدرسة المحمدية في سنوات قليلة لم تزد على ثلاثة وعشرين عاما تلاميذ يعدون بالآلاف، لم يستطع التاريخ المنصف على الرغم من كثرتهم ووفرتهم أن يتجاهل واحدا منهم حتى أولئك الذين لم يبلغوا الحلم بل جاء إليهم حاني الرأس في إجلال وإكبار يفتش عن أخبارهم وينقب عن آثارهم، ويتعمق في البحث عن أسرار حياتهم.
ولم توجد مدرسة في الدنيا قديما ولا حديثا اهتم التاريخ بتقصى أخبار جميع أبنائها صغارا وكبارا غير المدرسة المحمدية، فهي وحدها التي عنى بها التاريخ وظفر جميع المنتسبين إليها باهتمامه البالغ.