وكان طويل الصمت، ضحكه التبسم، وكان يخوض مع أصحابه إذا تحدثوا، فيذكرون الدنيا فيذكرها معهم، ويذكرون الآخرة فيذكرها معهم.
ولم يكن فاحشا ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح؛ قالت عائشة: ما خير رسول اللَّه ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم؛ فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما ضرب امرأة قط، ولا ضرب خادما، ولا ضرب شيئا قط إلا أن يجاهد.
وقال أنس: خدمت رسول اللَّه ﷺ عشر سنين فما سبني قط ولا ضربني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني،
فإن عتب أحد من أهله قال: دعوه فلو قدر لكان.
وكان أشد الناس لطفا؛ وقالت عائشة ﵂: «كان يرقع الثوب ويقمّ البيت، ويخصف النعل، ويطحن عن خادمه إذا أعيا.
هذا القدر كاف، وتركنا أسانيدها اختصارا.
[وأما معجزاته ﷺ فهي أكثر من أن تحصى]
فمنها: إخباره عن عير قريش ليلة أسرى به أنها تقدم وقت كذا فكان كما قال.
ومنها ما أخبر به من قتل كفار قريش ببدر، وموضع كل واحد منهم فكان كذلك.
ولما اتخذ المنبر حن الجذع الّذي كان يخطب عنده حتى التزمه فسكن.
ومنها أن الماء نبع من بين أصابعه غير مرة.
وبورك في الطعام القليل حتى كان يأكل منه الكثير من الناس، فعل ذلك كثيرا.
وأمر شجرة بالمجيء إليه فجاءت، وأمرها بالعود فعادت، وسبح الحصى بيده.
ومنها ما أخبر به من الغيوب، فوقع بعده كما قال: مثل إخباره عن انتشار دعوته وفتح الشام ومصر وبلاد الفرس وعدد الخلفاء، وأن بعدهم يكون ملك وإخباره أن بعده أبا بكر وعمر.
وقوله عن عثمان: يدخل الجنة على بلوى تصيبه، وقوله: «إن اللَّه مقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم» يعنى الخلافة
وقوله: «لعلك تضرب على هذه فتختضب» يعنى جانب رأسه ولحيته، فكان كذلك.
وقوله عن ابنه الحسن: «يصلح اللَّه به بين فئتين عظيمتين».
وقوله عن عمار: «تقتلك الفئة الباغية».
وإشارته بالوصف إلى المختار والحجاج، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
وما ظهر بمولده من المعجزات منها: الفيل وهو الأمر المجمع عليه وارتجاس (١) إيوان كسرى، وإخبار أهل الكتاب بنبوته قبل ظهوره، إلى غير ذلك مما لا نطول به، ففي هذا كفاية.
(١) أي: اهتزازه.