للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبويع عبد اللَّه بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد، وأطاعه أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وجدد عمارة الكعبة، وأدخل فيها الحجر، فلما قتل ابن الزبير أمر عبد الملك بن مروان أن تعاد عمارة الكعبة إلى ما كانت أولا، ويخرج الحجر منها. ففعل ذلك فهي هذه العمارة الباقية.

وبقي ابن الزبير خليفة إلى أن ولى عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فلما استقام له الشام ومصر جهّز العساكر، فسار إلى العراق فقتل مصعب بن الزبير، وسيّر الحجاج بن يوسف إلى الحجاز، فحصر عبد اللَّه بن الزبير بمكة، أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحجّ بالناس الحجّاج ولم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ونصب منجنيقا على جبل أبى قبيس فكان يرمى الحجارة إلى المسجد، ولم يزل يحاصره إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث وسبعين.

قال عروة بن الزبير: لما اشتدّ الحصر على عبد اللَّه قبل قتله بعشرة أيام، دخل على أمّه أسماء وهي شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تمنّيته لي، ما أحبّ أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقرّ عيني. فضحك.

فلما كان اليوم الّذي قتل فيه دخل عليها فقالت له: يا بنى، لا تقبلن منهم خطّة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فو اللَّه لضربة بسيف في عزّ خير من ضربة بسوط في ذلّ. وخرج على الناس وقاتلهم في المسجد، فكان لا يحمل على ناحية إلا هزم من فيها من جند الشام، فأتاه حجر من ناحية الصّفا، فوقع بين عينيه، فنكّس رأسه وهو يقول (١):

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا … ولكن على أقدامنا يقطر الدّما

ثم اجتمعوا عليه فقتلوه. فلما قتلوه كبر أهل الشام، فقال عبد اللَّه بن عمر: المكبّرون عليه يوم ولد، خير من المكبرين عليه يوم قتل.

وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزّبير، فجاءت أمه امرأة طويلة عجوزا مكفوفة البصر تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟! فقال لها الحجاج:

المنافق؟ قالت: واللَّه ما كان منافقا، ولكنه كان صوّاما قوّاما وصولا. قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. فقالت: لا واللَّه ما خرفت، ولقد

سمعت رسول اللَّه يقول: «يخرج من


(١) البيت في خزانة الأدب، الشاهد ٥٦٦، ويقول البغدادي: «وهو من أبيات ثلاثة أوردها أبو تمام في الحماسة للحصين ابن الحمام المري» وذكر الأبيات. ينظر الخزانة: ٣/ ٢٥٢/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>