للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وشهد بدرا، وأُحداً، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه . وكانت الخزرج قد أجمعت على أن يتوجوا أباه عبد اللَّه بن أُبَيّ ويملِّكوه أمْرَهم قبل الإسلام، فلما جاءَ النبيّ رجعوا عن ذلك، فحسد النبيّ ، وأخذته العزة، فأضمر النفاق، وهو الذي قال في غزوة بني المُصْطَلِق: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ (١) فقال ابنه عبد اللَّه للنبي : هو واللَّه الذليل وأنت العزيز يا رسول اللَّه، إن أذنت لي في قَتْله قَتَلْتُه، فو اللَّه لقد عَلِمَتِ الخزرج ما كان بها أحد أبر بوالده مني، ولكني أخشى أن تأْمر به رجلاً مسلماً فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي على الأرض حياً حتى أقتله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.

فقال النبي : «بل نُحْسِنُ صحبته ونترفق به ما صحبنا، ولا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولكن بَرّ أباك وأحسِنْ صُحْبته (٢)».

فلما مات أبوه سأل ابنُه عبدُ اللَّه النبيَّ ليصليَ عليه.

أخبرنا إسماعيل بن علي وغير واحد قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي قال: حدثنا محمد ابن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عُبَيْد اللَّه، أخبرنا نافع، عن ابن عمر قال: «جاءَ عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي إلى رسول اللَّه حين مات أبوه، فقال: أعطني قميصك أُكَفِّنْه فيه، وصَلِّ عليه، واستَغْفِرْ له. فأعطاه قميصه وقال: إذا فرغتم فَآذِنُوني. فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال: أليس قد نهى اللَّه ﷿ أن تصلي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خِيَرَتَيْنِ (٣): استغفر لهم أو لا تستغفر لهم. فصلى عليه فأنزل اللَّه تعالى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ (٤) فترك الصلاةَ عليهم (٥)».

قال ابن منده: أُصِيب أنفُ عبد اللَّه بن عبد اللَّه يوم أُحد، فأمره النبي أن يتخذ أنفاً من ذهب.

وقال أبو نعيم: روى عُرْوَة بن الزبير، عن عائشة، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أُبَيّ أنه قال:

نَدَرَت (٦) ثَنِيَّتي، فأمرني رسول اللَّه إن أتخذ ثَنِيَّةً من ذهب. وقال هذا هو المشهور.

وقول المتأخر - يعني ابن منده - أُصيب أنفه. وهم.


(١) المنافقون: ٨.
(٢) سيرة ابن هشام: ٢/ ٢٩٢، ٢٩٣.
(٣) في تحفة الأحوذي: «أنا بين الخيرتين». والخيرتان: تثنية خيرة، بوزن عنبة، أي: أنا مخير بين الاستغفار وتركه.
(٤) التوبة: ٨٤.
(٥) تحفة الأحوذي، تفسير سورة التوبة: ٨/ ٤٩٩ - ٥٠٢.
(٦) يعنى: سقطت.

<<  <  ج: ص:  >  >>