للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السوق. قال: فدله، فكان، يشتري السُّمَيْنة، والأُقَيْطة والإهاب (١)، فجمع فتزوج. فأتى النبي فقال: «بارك اللَّه لك، أولمْ ولو بشَاة». قال: فَكثر ماله، حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البُرّ، وتَحْمِل الدقيق والطعام. قال: فلما دخلت المدينة سُمِع لأهل المدينة رجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها: عِير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق والطعام.

فقالت عائشة: سمعت النبي يقول: «يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حَبْواً. فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمّه إني أُشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها (٢) وأقتابها في سبيل اللَّه ﷿». (٣) كذا في هذه الرواية أنه آخى بينه وبين عثمان. والصحيح أن هذا كان، مع سعد بن الربيع الأنصاري كما ذكرناه قبلُ.

وروى معمر عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول اللَّه بشَطْر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفاً، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل اللَّه، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل اللَّه. وكان عامة ماله من التجارة.

وروى حميد، عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها. فبلغ ذلك النبي ، فقال: «دعوا لي أصحابي، فو الّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مُد أحدهم ولا نَصِيفَه» (٤).

وهذا إنما كان بينهما لمَّا سيَّر رسولُ اللَّه خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة بعد فتح مكة، فقتل فيهم خالدٌ خَطَأً، فودى رسولُ اللَّه القتلى، وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم. وكان بنو


(١) الأقط- بفتح فكسر-: لبن مجفف يابس يطبخ به، والقطعة منه: أقطة، والأقيطة تصغير لها. والإهاب:
الجلد قبل أن يدبغ.
(٢) الأحلاس، جمع حلس وهو: الكساء الّذي يلي ظهر البعير تحت القتب، والقتب للبعير بمثابة البرذعة للسمار.
(٣) أخرج الإمام أحمد نحوه عن عبد الصمد بن حسان عن عمارة ينظر المسند: ٦/ ١١٥
(٤) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي عن أبي سعيد الخدريّ: ٥/ ١٠، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة عن أبي هريرة: ٧/ ١٨٨. وكذلك أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدريّ: ٣/ ١١، ٥٤.
والنصيف: النصف. والمعنى أن إنفاق مثل أحد ذهبا، لا يعدل صدقة أحدهم بنصف مد- والمد: كيل، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، فهو ربع صاع- وهذا لأن نفقتهم كانت في وقت الحاجة، وإقامة الدين، ونصرة رسول اللَّه وحمايته، وذلك معدوم بعده. وأيضا فإن نفقتهم كانت عن قلة، ونفقة غيرهم عن غنى، أضف إلى ذلك سبقهم إلى الإسلام وجهادهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>