للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان لبيد بن ربيعة وعلقمة بن عُلَاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم وحسن إِسلامهما.

ومما يستجاد من شعره قوله من قصيدة يرثي أَخاه أَربد (١):

أَعَاذِلَ، مَا يُدْرِيك إِلَّا تَظنِّياً (٢) … إِذَا رَحَلَ السُّفَّارُ: مَنْ هُوَ رَاجعٌ

أَتَجْزَع مِمَّا أَحْدَثَ الدَّهْرُ لِلفَتَى … وَأَيُّ كَرِيم لَمْ تصِبْهُ القَوَارِعُ

لعَمْرُك مَا تَدْري الضَّوَارِبُ بالحَصَى … وَلَا زَاجَرات الطير ما اللَّه صَانعُ

وَمَا المرْءُ إِلا كالشِّهابِ وَضَوْئِهِ … يَحورُ رَمَاداً بَعْدَ مَا هُوَ سَاطِعٌ

وَمَا البِرّ إِلا مُضْمَرَاتٌ مِنَ التُّقَى … وَمَا المالُ إِلا مُعْمَرَاتٌ وَدَائعُ

وقال عمر بن الخطاب يوماً للبيد بن ربيعة أَنشدني شيئاً من شعرك. فقال: ما كنت لأَقول شعراً بعد أَن علمني اللَّه «البقرة» «وآل عمران»، فزاده عمر في عطائه خمسمائة، وكان أَلفين. فلما كان في زمن معاوية قال له معاوية: هذان الفودان (٣)، فما بال العِلاوة؟ يعني بالفَودَين الأَلفين، وبالعلاوة الخمسمائة، وأَراد أَن يحطه إِياها فقال: أَموت الآن وتبقى لك العلاوة والفَودَان! فَرَقَّ له وترك عطاءَهُ على حاله، فمات بعد ذلك بيسير.

وقيل: إِنه لم يدرك خلافة معاوية، وإِنما مات بالكوفة في إِمارة الوليد بن عقبة عليها في خلافة عثمان. وهو أَصح.

ولما مات بعث الوليد إِلى منزله عشرين جزوراً، فنحرت عنه.

روى أَن الشعبي قال لعبد الملك بن مروان تعيش ما عاش لبيد بن ربيعة. وذلك أَنه لما بلغ سبعاً وسبعين سنة أَنشأَ يقول (٤):

بَاتَتْ تَشَكَّى إِليَّ النفسُ مُجْهشَةً … وَقَد حملتُكِ سَبعا بعد سَبْعِينا

فَإِن تُزَادِي ثَلَاثاً تَبَلُغِي أَمَلا … وفي الثَّلَاثِ وفاء للثّمانينا

عاش حتى بلغ تسعين، فقال:

كَأَنِّي وَقد جَاوزتُ تِسعينَ حَجةً … خَلَعْتُ بِها عَنْ مَنْكِبَيَّ ردائيا


(١) الشعر والشعراء: ١/ ٢٧٨، ٢٧٩، والاستيعاب: ٣/ ١٣٣٧.
(٢) تظنيا: أصله «تظننا»، قال أبو عبيدة: «تظنيت من ظننت، وأصله: تظننت، فكثرت النونات، فقلبت إحداها ياء، كما قالوا: قصيت أظفارى، والأصل: قصصت».
(٣) الفودان: العدلان، مثنى عدل، بكسر فسكون، وهو المثيل والنظير.
(٤) الاستيعاب: ٣/ ١٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>