للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قدم على النبيّ وأسلم، واستعمله رسول اللَّه على بعض صدقات بني تميم. فلمّا توفّى النبيّ وارتدت العرب، وظهرت سجَاح (١) وادّعت النبوّة، صالحها إلاَّ أنه لم تظهر عنه رِدة، وأقام بالبُطاح (٢). فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغَطَفان، سار إلى مالك وقدم البُطاح، فلم يجد به أحدا، كان مالك قد فَرَّقهم ونهاهم عن الاجتماع. فلما قدم خالد البُطاح بث سراياه، فأتى بمالك بن نويرة ونَفَرٍ من قومه. فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة، وكان فيمن شهد أنَّهم أذَّنوا وأقاموا وصلوا. فحبسهم في ليلة باردة، وأمَر خالد فنادى: أدْفِئُوا أسراكم - وهي في لغة كِنَانة القتل - فقتلوهم (٣)، فسمع خالد الواعِيَة (٤) فخرج وقد قتلوا، فتزوج خالد امرأته، فقال عمر لأبي بكر: سيفُ خَالِدِ فيه رَهَق (٥)! وأكثر عليه، فقال أبو بكر: تأوّل فأخطأ. ولا أشِيم (٦) سيفاً سَلَّه اللَّه على المشركين. وودى مالكاً، وقدم خالد على أبي بكر، فقال له عمر: يا عدوّ اللَّه، قتلت امرأ مسلماً، ثمّ نزوت على امرأته، لأرجُمَنَّك.

وقيل: إن المسلمين لما غَشَوا مالكاً وأصحابه ليلاً، أخذوا السلاح، فقالوا: نحن المسلمون. فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمون. فقالوا لهم: ضعوا السلاح وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله أنَّ مالكاً قال: ما إخالُ صاحبكم إلا قال كذا. فقال: أو ما تعده لك صاحباً؟ فقتله. فقدم متمم على أبي بكر يطلب بدم أخيه، وأن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر بردّ السبي، ووَدَى مالكاً من بيت المال.

فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة، ويدل على أنه لم يرتد. وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا، فتركهم هذا عَجَب. وقد اختلف في ردّته، وعمر يقول لخالد: قتلت امرأً مسلماً. وأبو قتادة يشهد أنهم أذَّنوا وصَلَّوا، وأبو بكر يرد السبي ويعطي دِيةَ مالك من بيت المال.

فهذا جميعه يدل على أنه مسلم.


(١) كانت «سجاح» تميمية من بنى يربوع، وأخوالها من تغلب بالعراق، وقد تزوجت فيهم وأقامت بيتهم، ثم تنصرت فيمن تنصر منهم، وكانت تدعى الكهانة، وتعرف كيف تقود الرجال. فلما ترامى إليها وفاة محمد ، ادعت النبوة، وقدمت إلى قومها من تميم، تريد أن تغزو المدينة، وأن تقاتل أبا بكر.
(٢) البطاح- بضم الباء-: ماء في ديار بنى أسد بن خزيمة.
(٣) في كتاب أيام العرب في الإسلام ١٥٦: «وكان الحراس من بنى كنانة».
(٤) الواعية: الصراخ. وفي المطبوعة: الواغية. بالغين، وهو خطأ.
(٥) الرهق: السفه والخفة والظلم.
(٦) أشم: أغمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>