للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ربى فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيّما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقرّبه بها يوم القيامة (١)».

ولم يزل واليا على ما كان أخوه يتولاه بالشام خلافة عمر، فلما استخلف عثمان جمع له الشام جميعه. ولم يزل كذلك إلى أن قتل عثمان، فانفرد بالشام، ولم يبايع عليا، وأظهر الطلب بدم عثمان، فكان وقعة صفين بينه وبين على، وهي مشهورة. وقد استقصينا ذلك في كتابنا «الكامل في التاريخ».

ثم لما قتل على واستخلف الحسن بن علي، سار معاوية إلى العراق، وسار إليه الحسن بن علي، فلما رأى الحسن الفتنة وأن الأمر عظيم تراق فيه الدماء، ورأى اختلاف أهل العراق، سلّم الأمر إلى معاوية، وعاد إلى المدينة، وتسلم معاوية العراق، وأتى الكوفة فبايعه الناس، واجتمعوا عليه، فسمى عام الجماعة. فبقي خليفة عشرين سنة، وأميرا عشرين سنة، لأنه ولى دمشق أربع سنين من خلافة عمر، واثنتي عشرة سنة خلافة عثمان مع ما أضاف إليه من باقي الشام، وأربع سنين تقريبا أيام خلافة على، وستة أشهر خلافة الحسن. وسلم إليه الحسن الخلافة سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة أربعين، والأوّل أصح. وتوفى معاوية النّصف من رجب سنة ستين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وقيل: ابن ست وثمانين سنة. وقيل: توفى يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع وخمسين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. والأصح في وفاته أنها سنة ستين.

ولما مرض كان ابنه يزيد غائبا، ولما حضره الموت أوصى أن يكفّن في قميص كان رسول اللَّه قد كساه إياه، وأن يجعل مما يلي جسده. وكان عنده قلامة (٢) أظفار رسول اللَّه ، فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه، وقال: افعلوا ذلك، وخلّوا بيني وبين أرحم الراحمين».

ولما نزل به الموت قال: «ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى، وأنى (٣) لم أل من هذا الأمر شيئا».

ولما مات أخذ الضحاك بن قيس أكفانه، وصعد المنبر وخطب الناس وقال: إن أمير المؤمنين


(١) مسلم، كتاب البر، باب «من لعنه النبي … »: ٨/ ٢٦، ٢٧.
(٢) القلامة: ما قطع من الظفر.
(٣) ذو طوى: واد بمكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>