للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين يفتنونى في ديني؟! وقد كانوا خرجوا مع رسول اللَّه لا يشكون في الفتح، فلما صنع أبو جندل ما صنع، وقد كان دخل - لما رأوا رسول اللَّه حمل على نفسه في الصلح ورجعته - أمر عظيم، فلما صنع أبو جندل ما صنع، زاد الناس شرّا على ما بهم، فقال رسول اللَّه لأبى جندل: أبا جندل، اصبر واحتسب، فإنه اللَّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. وإنا صالحنا القوم، وإنا لا نغدر. فقام عمر بن الخطاب يمشى إلى جنب أبى جندل وأبوه بتلّه، وهو يقول:

أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. وجعل عمر يدنى منه قائم السيف، فقال عمر: رجوت أن يأخذه فيضرب به أباه، فضنّ بأبيه (١).

وقد ذكرنا في ترجمة أبي بصير حال أبى جندل، فإن أبا جندل لما أخذه أبوه هرب ثانية من أبيه، ولحق بأبي بصير.

قال أبو عمر: وقد غلطت طائفة ألفت في الصحابة في أبى جندل، أنّ اسمه عبد اللَّه، وأنه الّذي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر، فانحاز من المشركين إلى المسلمين، وشهد بدرا مع رسول اللَّه وهذا غلط فاحش، وعبد اللَّه ليس بأبي جندل، ولكنه أخوه، واستشهد عبد اللَّه باليمامة مع خالد في خلافة أبى بكر الصدّيق، وأبو جندل لم يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل الفتح، لأن أباه كان قد منعه، كما ذكرناه، قال موسى بن عقبة: لم يزل أبو جندل ابن سهيل وأبوه مجاهدين بالشام حتى ماتا، يعنى في خلافة عمر.

وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريح قال: أخبرت أنّ أبا عبيدة بالشام وجد أبا جندل ابن سهيل، وضرار بن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النبي قد شربوا الخمر، فقال أبو جندل: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ (٢) … الآيات كلها، فكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل خصمنى بهذه الآية. فكتب إليه عمر: الّذي زيّن لأبى جندل الخطيئة زيّن له الخصومة، فاحددهم. فقال أبو الأزور: أتحدوننا؟ قال أبو عبيدة: نعم. قال أبو الأزور:


(١) انظر سيرة ابن هشام: ٢/ ٣١٨ - ٣١٩.
(٢) سورة المائدة، آية: ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>