للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال عمر: أمسكوا لا يَتَكَلَّمَنَّ أحد. ثم قال: أتعقل يا شيخ؟ قال: العقل ساقني إلى ها هنا.

وقال له عمر: متى توفي النبي . قال: وقد توفي؟ قال: نعم. فبكى حتى ظننا أنَّ نفْسَه ستخرج من بين جنبيه. قال: فمن وَلى الأمر بعده؟ قال: أبو بكر. قال: نحيف بني تَيم؟ (١) قال: نعم. قال: أفيكم هو؟ قال: لا. قال: وقد توفى؟ قال: نعم. قال:

فبكى حتى سمعنا لبكائه نشيجا (٢). قال: فمن وَلِيَ الأمرَ بعده؟ قال: عمر بن الخطاب.

قال: فأين كانوا عن أبيض بني أُمية؟ - يريد عثمان - فإنه كان ألين جانباً وأقرب. قال:

قد كان ذاك! قال: إن كانت صداقة عمر لأبي بكر لَمُسَلِمَتَهُ إلى خير، أفيكم هو؟ قال:

هو الذي يكلمك منذ اليوم. قال: فَأَغِثْنِي، فإني لم أجد مُغِيثاً. قال عمر: من أنت، بَلَغَكَ الغوثُ؟ قال: أنا أبو عَقِيل أحد بني مُلَيل، لقيت رسول اللَّه على رَدهة (٣) بني جعل، دَعَاني إلى الإسلام فآمنت به، وسقاني شربة من سَوِيق، شرب رسول اللَّه أوّلها وشربت آخرها، فما بَرِحتُ أجد شِبَعها إذا جُعتُ، وِرِيَّها إذا عَطِشْتُ وبَردَها إذا ضَحَيتُ (٤).

ثم تيممت في رأسِ الأبيض بقُطَيَعةِ غَنَم لي، أصلي وأصوم رمضان، حتى أَلَمَّتْ بنا هذه السنة، فما أبقت منها إلا شاة واحدة كنا ننتفع بدِرّتها (٥)، فَعَيَّبها الذئب البارحة الأُولى، فأدركنا ذَكَاتَها، وبَلَغناك ببعض، فأَغِثْ أَغاثكَ اللَّه ﷿. فقال عمر: بَلَغَكَ الغوثُ أدركني على الماء.

قال المِسوَر: فنزلنا المنزل، وكأني أنظر إلى عمر مُقْعِياً (٦)، على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته، لم يطعمَ طَعاماً، بل ينتظر الشيخ ومن معه. فلَما رَحَل (٧) الناس دعا عمر صاحب الماء، فوصف له الشيخ، وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى أهله، حتى أعود إليك إن شاء اللَّه ﷿.

قال المسور: فقضينا حجنا وانصرفنا، فلما نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء وسأله عن


(١) في المطبوعة: «تميم». والصواب عن المصورة.
(٢) النشيج: تردد البكاء في الصدر.
(٣) على هامش المصورة: «قال الخليل: الردهة: شبه أكمة كثيرة الحجارة».
(٤) أي: إذا برزت للشمس.
(٥) الدرة: اللبن إذا كثر وسال.
(٦) الإقعاء: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب.
(٧) في المطبوعة: «فلما دخل». والمثبت عن المصورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>