للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلله عهد لا أخيس بعهده … لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا (١)

فلما سمعت سلمى امرأة سعد ذلك، رقّت له فخلت سبيله، وأعطته الفرس، فقاتل قتالا عظيما، وكان يكبّر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفا منكرا.

فعجب الناس منه، وهم لا يعرفونه، ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال ولم يقدر على الركوب لجراح كانت به وضربان من عرق النّسا، فقال: لولا أن أبا محجن محبوس لقلت: «هذا أبو محجن، وهذه البلقاء تحته». فلما تراجع الناس عن القتال، عاد إلى القصر وأدخل رجليه في القيد، فأعلمت سلمى سعدا خبر أبي محجن، فأطلقه وقال: اذهب لا أحدّك أبدا. فتاب أبو محجن حينئذ، وقال: كنت آنف أن أتركها من أجل الحدّ.

قيل: إن ابنا لأبى محجن دخل على معاوية، فقال له: أبوك الّذي يقول:

إذا متّ فادفنّى إلى جنب كرمة … تروّى عظامي بعد موتى عروقها

ولا تدفننّي بالفلاة فإنّنى … أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها؟

فقال ابن أبي محجن: لو شئت لقلت أحسن من هذا من شعره. قال: وما ذاك؟ قال: قوله:

لا تسأل النّاس عن مالي وكثرته … وسائل النّاس عن حزمى وعن خلقي

القوم أعلم أنّى من سراتهم … إذا تطيش يد الرّعديدة الفرق (٢)

قد أركب الهول مسدولا عساكره … وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق

أعطى السّنان غداة الرّوع حصّته … وعامل الرّمح أرويه من العلق (٣)

عفّ المطالب عمّا لست نائلة … وإن ظلمت شديد الحقد والحنق

وقد أجود وما مالي بذي فنع (٤) … وقد أكرّ وراء المجحر الفرق (٥)

قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم … وقد يثوب سوام العاجز الحمق (٦)

سيكثر المال يوما بعد قلّته … ويكتسي العود بعد اليبس بالورق (٧)


(١) انظر الأبيات في الشعر والشعراء: ١/ ٤٢٣، والاستيعاب: ٤/ ١٧٤٧.
(٢) الرعديدة: الجبان، يرعد عند القتال جبنا.
(٣) الحصة: النصيب. وعامل الرمح: ما يلي السنان. وفي الاستيعاب: «وحامل». وهو خطأ. والعلق: قطع الدم.
(٤) في المصورة والمطبوعة: «قنع». بالقاف، والصواب عن الاستيعاب، واللسان: مادة فنع. والفنع: المال الكثير.
(٥) المجحر: المضطر الملجأ.
(٦) تثوب: تجتمع. والسوام: جمع سائمة.
(٧) انظر الاستيعاب: ٤/ ١٧٤٩ - ١٧٥٠، والشعر والشعراء: ١/ ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>