للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم لم يزد في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان ما سأل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص البحر أن يغمس فيه المخيط (١) غمسة واحدة، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد اللَّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه».

أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي القاسم علي بن الحسن إجازة، أخبرنا أبى، أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو الفضل الرازيّ، أخبرنا جعفر بن عبد اللَّه، أخبرنا محمد بن هارون، أخبرنا محمد، ابن إسحاق، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم (٢)، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن زوجة أبي ذر، أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكى أنه لا بدّ لي من تكفينك، وليس عندي ثوب يسع لك كفنا، فقال: لا تبكى، فإنّي سمعت رسول اللَّه ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبى الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول لك، وإني واللَّه ما كذبت ولا كذّبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج! قال: راقبي الطريق، فبينما هي كذلك إذ هي بقوم تخبّ بهم رواحلهم كأنهم الرّخم (٣)، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ فقالت:

امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، قال: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، ثم وضعوا سياطهم في نحورها، يبتدرونه، فقال: أبشروا، فأنتم النفر الذين قال فيكم رسول اللَّه … ثم قال: أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم باللَّه لا يكفنني رجل كان أميرا أو عريفا أو بريدا (٤)، فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار كان مع القوم، قال: أنا صاحبه، الثوبان فىّ عيبتي (٥) من غزل أمي، وأحد ثوبىّ هذين اللذين عليّ، قال: أنت صاحبي فكفني».

وتوفى أبو ذر سنة اثنتين وثلاثين بالربذة، وصلّى عليه عبد اللَّه بن مسعود، فإنه كان مع أولئك النفر الذين شهدوا موته، وحملوا عياله إلى عثمان بن عفان بالمدينة، فضم ابنته إلى عياله، وقال:

يرحم اللَّه أبا ذر.

وكان آدم طويلا أبيض الرأس واللحية، وسنذكر باقي أخباره في الكنى، إن شاء اللَّه تعالى.

أخرجه الثلاثة.


(١) المخيط: الإبرة.
(٢) في المطبوعة: جشم، ينظر ميزان الاعتدال: ٢/ ٤٥٩، والاستيعاب: ٢٥٣.
(٣) تخب: تسرع، والرخم بفتحتين: طائر.
(٤) البريد: الّذي يحمل الرسائل.
(٥) العيبة: ما تجعل فيه الثياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>