للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تأعيذ نفسي وأعيذُ صَحْبي … من كلِّ جنيَ بهذا النَّقْبِ

حتى أؤوب سَالماً وَرَكْبِي

فسمع قائلاً يقول: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ﴾ (١) فلما قدم مكة خَبَّر بذلك في نادي قريش، فقالوا له: صبأت واللَّه يا أبا كلاب، إن هذا فيما يزعم محمد أنه نزل عليه، فقال: واللَّه لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي، ثم أسلم.

ولما افتتح رسول اللَّه خَيْبَر، قال الحجاج بن علاط: يا رسول اللَّه، إن لي بمكة مالاً.، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئاً؟

أخبرنا عبيد اللَّه بن أحمد بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدّثني بعض أهل المدينة، قال: لما أسلم الحجاج بن عِلَاط السلمي شهد خيبر مع رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، إن لي بمكة مالاً على التجار، ومالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة، أخت بني عبد الدار، وأنا أتخوّف إن علموا بإسلامي أن يذهبوا بمالي، فائذن لي باللحوق به، لعلّي أتخلّصه، فقال رسول اللَّه :

قد فعلت، فقال: يا رسول اللَّه، إنه لا بدّ لي من أن أقول، فقال رسول اللَّه : قل وأنت في حل.

فخرج الحجاج، قال: فلما انتهيت إلى ثَنِيَّة البيضاء (٢) إذا بها نفر من قريش يتجسسون الأخبار، فلما رأوني قالوا: هذا الحجاج وعنده الخبر، قلت: هزم الرجل أقبح هزيمة سمعتم بها، وقتل أصحابه، وأخذ محمد أسيراً، فقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة، فيقتل بين أظهرهم. ثم جئنا مكة فصاحوا بمكة، وقالوا: هذا الحجاج قد جاءكم بالخبر أن محمداً قد أسر، وإنما تنتظرون أن تؤتوا به فيقتل بين أظهركم، فقلت: أعينوني على جمع مالي فإني أريد أن ألحق بخيبر، فأشتري مما أصيب من محمد، قبل أن يأتيهم التجار، فجمعوا مالي أحث جمع، وقلت لصاحبتي: مالي مالي، لعلي ألحق فأصيب من فرص البيع، فدفعت إليّ مالي.

فلما استفاض ذكر ذلك بمكة أتاني العباس، وأنا قائم في خيمة تاجر، فقام إلى جانبي منكسراً مهموماً، فقال: يا حجاج، ما هذا الخبر؟ فقلت: استأخر عني حتى تلقاني خالياً، ففعل، ثم قصد إليّ، فقال:

يا حجاج، ما عندك من الخبر؟ فقلت: الذي واللَّه يسرك، تركت واللَّه ابن أخيك قد فتح اللَّه عليه خيبر، وقتل من قتل من أهلها، وصارت أموالها له ولأصحابه، وتركته عروساً على ابنة ملكهم، ولقد أسلمت، وما جئت إلاّ لآخذ مالي، ثم ألحق برسول اللَّه ، فاكتم على الخبر ثلاثاً، فإني أخشى الطلب، وانطلقت.

فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلة، وتخلّق، ثم أخذ عصاه، وخرج إلى المسجد، واستلم الركن، فنظر إليه رجال من قريش، فقالوا: يا أبا الفضل، هذا واللَّه التجلُّد على حر المصيبة، فقال: كلا، والّذي


(١) الرحمن: ٢٣.
(٢) موضع قرب المدينة بجانب الرَّبَذَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>